المصالحة الوطنية الفلسطينية، التي ترعاها مصر وتساندها الإمارات ويؤيدها الواقعيون الحريصون على شعب فلسطين وقضيته، تسجل اليوم مقاربتها القوية على أساس فصل أجندة حماس عن أجندة الإخوان.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/09/27، العدد: 10764، ص(9)] منذ البداية، لم يكن البلدان، مصر والإمارات، يدخران أي جهد لدفع عجلة المصالحة الفلسطينية إلى الأمام. كانت الأولى، حاضنة كل الحوارات التي انتهت إلى اتفاقات على الورق، نجحت الأطراف المغذية للشقاق في إحباط تنفيذها، وسعت حثيثا إلى إنتاج مصالحة مشروخة، جعلت الفلسطينيين يعيشون سنوات عجافا، بين وثائق محكمة تصاغ في القاهرة، وأخرى ذات ثغرات، تحاول الأطراف المعاندة فرضها، متجاهلة الوقائع على الأرض. ويُسجَلُ للبلدان، مصر والإمارات، أنهما في الموضوع الفلسطيني، قد تساميا على حسابات كل منهما بخصوص جماعة “الإخوان” انطلاقا من قناعة راسخة، بأن موضوع فلسطين ووحدة كيانها الوطني وورقتها السياسية، لا يصح أن تبقى كلها في مهب الريح، بجريرة الجماعة الإخوانية، بينما الأطراف المغذية للشقاق، لم تشأ أن تدفع إلى وحدة الفلسطينيين، دون التمكين للجماعة في الإقليم. ذلك على الرغم من كون القضية الفلسطينية والمشهد الفلسطيني، غير قابلين للإحالة إلى طرف أيديولوجي وحزبي دون سواه، فما بالنا عندما يكون هذا الطرف مأزوما ويخوض نزاعا مع دول الإقليم، لا يتوفر له الحد الأدنى من مقومات الغلبة فيه. ولما كانت غزة، موضع التركيز الأساس، بحكم أن القوة التي تحكمه موصولة بالجماعة التي ترى حماس أيقونتها ومادة دعايتها وبرهان “جهاديتها” الحميدة في الوعي الشعبي؛ كان للجغرافيا تأثيرها الحاسم. فمصر تمثل الفضاء العربي الوحيد لغزة التي تراها الدولة المصرية موضعا مهما لأمنها القومي. لذا كان من المستحيل بالنسبة لمصر، أن تتقبل وجود قاعدة للجماعة بأجندتها المناوئة للدولة على حدود أراضيها، وأن تتشكل لها في القطاع الضيق سياسة ذات حدود مفتوحة كما هو الحال في العلاقات بين الدول. وبناء على ذلك اعتبر المصريون المصالحة الوطنية الفلسطينية أمرا حيويا بالنسبة لأمنهم القومي، بينما “الإخوان” رأوا في غزة مساحة يمكن الانطلاق منها لزعزعة هذا الأمن. دولة الإمارات التي يرى البعض بمنظار الرؤية القاصرة، أن أمر “الإخوان” لا يعنيها بسبب بعدها المكاني؛ رأت أن هذه الجماعة المتداخلة حلقاتها، سوف تتهدد أمنها في حال نجحت في مصر واليمن وحققت لنفسها حضورا وازنا في الإقليم. فلو حدث هذا، ستصبح دول الخليج بين فكي الكماشة الإيرانية الإخوانية، وهنا الطامة الكبرى. فطرفا الكماشة، الإيراني والإخواني، لا يعيران اهتماما للاختلاف في المذاهب، هذا إن أعارا اهتماما للدين نفسه على حساب الطموحات إلى السيطرة والنفوذ والحكم. وفي الحقيقة لا تخطئ أي دولة، إن رأت في الحكم بذريعة الدين كارثة كبرى. وليس أدل على ذلك من العلاقات المشهودة بين الكيانات الدينية الإسلامية الصغيرة التي تقاتل في سوريا، إذ لا يحترم فريق إسلامية الآخر، ولا تكف الكيانات كلها عن التذابح دون وازع من نص قرآني كريم، فما بالنا في علاقة أي حكم باسم الإسلام مع المجتمع التعددي، ولنا في غزة نفسها برهان آخر، فقد حكمت حماس عقدا من الزمن، وها هو المجتمع الفلسطيني في غزة يتوسل لحظة الخلاص، وتعج ذاكرة الناس بالبراهين على غياب التقوى والرحمة والترفق بالمجتمع، وبمشاهد اعتصار الناس وإفقارهم وبذخ الحاكمين. منذ البداية، كانت الإمارات العربية المتحدة من الدول السباقة إلى تسجيل محاولات تحقيق المصالحة الفتحاوية. وكان رأيها صائبا عندما اعتبرت أن فتح هي القوة الوطنية التي ينبغي أن تتوحد، وأن إقصاء رئيس هذه الحركة لمجموعة من أبنائها المناضلين لن يحقق لفتح وحدتها وقوتها اللازمة لمواجهة التمدد الأصولي. حاولت الإمارات مع الرئيس محمود عباس تحقيق المصالحة الفتحاوية، واستأنست بعلاقات قديمة للرجل مع قيادة الإمارات. لكن الرجل عاند الحقائق وخدع ووعد ولم يُنفذ، وظن أن بمقدوره إقصاء الناس دون أن تتأثر فتح سلبا، وجاءت نتاج حساباته الخاطئة وبالا ومزيدا من الضعف والاغتراب عن المجتمع. فلا فتح التي تتبعه ناهضة وموحدة، ولا هي وازنة في المشهد الفلسطيني، ولا نجاة لفتح بهذه الشاكلة في الضفة نفسها لو جرت انتخابات نزيهة. لذا وجد الرجل نفسه مضطرا إلى التوجس من الانتخابات، مسكونا بكوابيس نتائج انتخابات بلدية ونقابية في الضفة، ومضطرا كذلك كلما جاء الحديث عن مصالحة وطنية، إلى إعطاء حماس كل ما تريد ولو نظريا، دون أن ينجح البتة، في معالجة إشكال المناضلين الذين ظن أنه طردهم وارتاح منهم، بل لم ولن ينجح على هذا الصعيد في وقف اتساع تيارهم. فقد سقطت كل التعليلات وأخفقت كل مقاربات رد الظاهرة إلى غواية المال والمساعدات. فالغالبية العظمى من الفتحاويين الإصلاحيين، في فلسطين وفي الساحات، لا تربطهم أي علاقة بالنفقات التي يوفرها مركز القيادة في التيار الإصلاحي، من الأشقاء الكرام. إن المصالحة الفلسطينية، التي ترعاها مصر وتساندها الإمارات ويؤيدها الحريصون على شعب فلسطين وقضيته، تسجل مقاربتها القوية، على أساس فصل أجندة حماس عن أجندة “الإخوان”. وهذا أمر اجترحته مصر ولا تزال ساهرة على إنجاحه، وساندته الإمارات، وبذلت قيادة التيار الفتحاوي الإصلاحي جهودا لتحقيقه دون حساسية من عودة النظام الوطني الفلسطيني إلى وحدته برئاسة عباس على أسس دستورية وقانونية من شأنها التمكين للإرادة الشعبية. كاتب وسياسي فلسطينيعدلي صادق
مشاركة :