قضايا مثل تكفير السنة في المنابر الحسينية وخطب قادة الميليشيات، باتت مسألة عادية لا خوف من تداعياتها، بل إن المرجعية والحكومة لم تتخذا إجراء ضد رئيس ديوان الوقف الشيعي عندما تحدث بقبح ضد المسيحيين في العراق.العرب هارون محمد [نُشر في 2017/05/25، العدد: 10643، ص(8)] عندما ينقل 120 شابا متخرجا من إحدى الكليات العسكرية العراقية إلى باحة صحن الإمام العباس بن علي في كربلاء لأداء قسم التخرج وترديد عبارات تتعهد بالثأر من قتلة الإمام الحسين وملاحقة أحفاد أحفادهم، وسط هتافات “علي وياك علي” وارتياح ممثلي المرجعية الشيعية بعمائمهم السوداء والبيضاء، الذين يتقدمون الصفوف ويسلمون شهادات التخرج للشباب في مشهد لا ضبط فيه ولا انضباط، فإن هذا يعني أن الجيش العراقي لم يتعرض إلى الاغتيال من الحاكم الأميركي بول برايمر فقط، وهو الذي أمر بحله في مايو 2003، وإنما عمليات اغتياله ما زالت مستمرة، عبر تحويله إلى ميليشيات ذات ولاءات طائفية لا علاقة لها بالوطن والشعب. وعندما يقاد أكثر من مئة متخرج من إحدى كليات القانون وهم يرتدون زي التخرج أو اللباس الأكاديمي (الروب) إلى مرقد أو مقام أحد الأئمة ويقسمون برأسه، على تطبيق القانون والعدالة ضد أعدائه وكل من عادى أهل بيته، وهو قتل قبل ألف وأربعمئة سنة، ماذا يعني هذا؟ وكيف سيؤدي هؤلاء المتخرجون مهامهم عندما يعينون قضاة ومحققين في المحاكم أو يشتغلون في المحاماة؟ وهم أقسموا على تطبيق قانون خاص لا يلتزم بأحكام القضاء ولا يتقيد بالإجراءات التشريعية والمحاكمات الأصولية. وعندما يكرم رئيس جامعة حكومية، في حفل كئيب تغيب عنه البهجة ويسوده الصخب والتهريج، بخاتم فضي منقوش عليه اسم الإمام الحسين، تقديرا لجهوده في خدمة آل البيت، فإن ذلك يعني أيضا، أن التعليم في العراق، انحدر هو الآخر إلى مستنقع الطائفية، ولم يعد قائما على العلم والأسس التربوية السليمة وتخريج أجيال من الطلبة الواعين والحريصين على خدمة بلدهم. والعجيب أن كل هذه الممارسات، التي يفترض أن تكون مفرحة وتغمرها المسرات والتفاؤل، تحدث في أجواء لطم على الرؤوس والصدور، ويحضرها ويشارك فيها نواب ونائبات، ومحافظون ومسؤولون كبار، في تحدّ سافر لمشاعر وتقاليد وأعراف فئات ومكونات وطوائف أخرى، خصوصا وأن عشرات القنوات الفضائية تنقلها على الهواء، ويمكن الاطلاع على نماذج منها على شبكة يوتيوب وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، والغريب أن المرجعية التي يصفها ممثلوها في خطبهم وتصريحاتهم، بأنها للجميع وفي خدمة الشعب العراقي دون استثناء، تشجع هذه الأنشطة والفعاليات وتتبرع لها وتدعم منظميها بالأموال، في حين أن الحكومة التي يقال إنها للعراقيين جميعا، صامتة لا تتدخل، لأن الأمر عندها حرية معتقد، حتى لو توعدت هذه الحرية نصف الشعب بالويل وانتظار عقاب آت عاجلا أم آجلا. لذلك باتت قضايا مثل تكفير السنة في المنابر الحسينية وخطب قادة الميليشيات، مسألة عادية لا خوف من تداعياتها، بل إن المرجعية والحكومة لم تتخذا إجراء ضد رئيس ديوان الوقف الشيعي عندما تحدث بقبح ضد المسيحيين في العراق، ولم تتدخلا في وصف معمم شيعي للأكراد بأنهم من “الجن” وليس من الإنس، فمثل هذه الأمور في نظر آيات الله وحكومة حزب الدعوة، لن تفرق الشعب ولا خشية من نتائجها مستقبلا. وقبل أيام صدرت فتوى من مرجعية النجف بشأن مسلسلات رمضان، والتحذير من بعضها، بينما تصمت إزاء مواقف وفعاليات تحدث على الأرض وليس على شاشات التلفزيون، تحمل مخاطر الفتنة وتهدد وحدة البلاد وحاضر ومستقبل العباد، ثم يطلع رئيس الحكومة حيدر العبادي، ويندد بالمتخوفين من مرحلة ما بعد داعش، ويصفهم بأنهم يربكون الأوضاع ويسعون إلى إشاعة الفوضى، وهو يقصد شخصيات وقيادات سنية بدأت تتحسب وهذا من حقها وواجبها أيضا، من مستقبل الأوضاع بعد انتهاء معركة الموصل، وهي تشاهد مناطق في محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار وكركوك وشمال بابل وأجزاء من الموصل، قد حررت وبعضها قبل عامين، دون أن يسمح لنازحيها بالعودة إليها، خصوصا وأن مدنا مثل جرف الصخر في بابل، والدور وعزيز بلد في صلاح الدين، والمقدادية والخالص في ديالى، باتت تحكمها مجاميع إيرانية تتلقى أوامرها من طهران مباشرة، بينما لم يحرك العبادي ساكنا عندما وصف زعيم ميليشيا العصائب، قيس الخزعلي، أبناء الموصل بأنهم أحفاد بني أمية، ولم يتفوه بكلمة استنكار واحدة، عندما شطب الأخير على المحافظات السنية وقال إنها ستكون ضمن “البدر” الشيعي المرتقب. إن مستقبل العراق على كف عفريت في ظل هذه الممارسات التي باتت تشكل ظواهر وليست حالات، وهي تتطور بشكل متسارع متزامنة مع إجراءات قسرية تقوم بها قيادات وهيئات ومراجع شيعية في سلب مناطق وأراض وممتلكات في بغداد والمحافظات السنية علنا وعلى رؤوس الأشهاد. ومؤخرا أوفد رئيس حزب شيعي متنفذ يدعو إلى “المصالحة الوطنية” مندوبا عنه إلى شخصية سنية عربية تقيم في عمان وتملك قطعة أرض مساحتها خمسة دوانم في حي الجادرية (الدونم في العراق يساوي 2500 متر مربع) وعرض المندوب مبلغا تافها لشرائها، فاعتذر صاحبها، لأن سعرها في السوق وحسب تقدير مكاتب العقارات في بغداد لا يقل عن أربعين مليون دولار، وقد عرض عليه سابقا مبلغ 38 مليون ولم يبعها، ولكن المندوب جادل صاحب الأرض وقال له بغطرسة ولكن “السيد” له حقوق عليكم أنتم أهل السنة! وسأل صاحب الأرض مندوب السيد ما هي حقوقه علينا، يعرفنا نعرفه؟ والنتيجة أن السيد المحترم أمر محكمة في بغداد، والمحاكم في العراق نزيهة وعادلة كما هو معروف، بإزالة شيوع الأرض في غياب صاحبها الشرعي وعرضها في مزاد سري اقتصر على مندوبه فقط واشتراها برخص التراب وأضافها إلى مقاطعته التي أصبحت تضم أكثر من ثلاثة أرباع الجادرية. وبعد كل هذا الضيم والقهر وانتهاك الحقوق، يقولون إن التشيع في العراق علوي ويتبع تعاليم آل البيت! كاتب عراقيهارون محمد
مشاركة :