أيمن لطفي يرسم لوحاته بسريالية فوتوغرافية بقلم: ناهد خزام

  • 5/26/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أيمن لطفي يرسم لوحاته بسريالية فوتوغرافيةيؤمن أيمن لطفي بأن الفوتوغرافيا هي مجرد وسيط يمكن تطويعه والتعامل معه بالكيفية الملائمة للفكرة التي يريدها المصور أيّا كان هذا التعامل، بالحذف أو الإضافة أو حتى باختلاق المشهد المصور. وفي معرضه الذي استضافته قاعة “الباب” في العاصمة المصرية القاهرة تحت عنوان “الشريان” يجمع الفنان المصري بين وسائط عدة لتحقيق رؤيته تلك.العرب ناهد خزام [نُشر في 2017/05/26، العدد: 10644، ص(17)]مراوحة بين الهدوء النسبي والصخب القاهرة - تندرج الأعمال التي قدمها الفوتوغرافي المصري أيمن لطفي مؤخرا في قاعة “الباب” القاهرية والمعنونة بـ”الشريان” في إطار مفهوم “الفوتوغرافيا المعاصرة”، وهو مفهوم يضم شريحة واسعة من المعالجات والممارسات الفنية المعتمدة على التصوير الفوتوغرافي. وتتبع هذه الممارسات آلية عمل وتقنية خاصة يجمع فيها أيمن لطفي بين ذاتية الفنان والصورة الفوتوغرافية عبر تدخله المباشر بعدة طرق مختلفة، كإخضاع الصور على سبيل المثال لبرامج الغرافيك المخصصة للتعامل مع الصور. ولا يقتصر هذا التدخل على تركيب الصورة في هيئتها الرقمية من طريق برامج الغرافيك أو يدويا على السطح المطبوع، بل يمكن أن يكون تدخلا في سياق المشهد والإعداد له وتجهيزه قبل التقاطه، وهي كلها ممارسات مشروعة ومتبعة وتدخل ضمن سياق التصوير الفوتوغرافي المعاصر. وغيّرت هذه الممارسات الفنية المعاصرة نظرة العالم إلى الشكل التقليدي للصورة الفوتوغرافية كما هو متعارف عليه، من مجرد وسيلة للتوثيق والرصد والتسجيل، إلى فضاءات أرحب من التعبير، ففي حين تعتمد هذه الأعمال على الفوتوغرافيا كتقنية، تأتي هذه التدخلات كعناصر مساعدة لتقريب الفكرة وإضفاء جوانب أخرى أكثر عمقا على المشهد البصري، وهو سلوك كان له مردوده الإيجابي فيما يخص المفاهيم الفنية والجمالية للصورة الفوتوغرافية بشكل عام، وغيّر من النظرة التقليدية الضيّقة لها. وتوزعت أعمال أيمن لطفي في معرضه الأخير بين اتجاهين، الاتجاه الأول تمثل في صور الوجوه، أما الثاني فتمثل في تناوله السريالي للمشاهد المفتوحة. وفي صور الوجه يضفي الفنان على ملامح الأشخاص المزيد من الحدة عن طريق اللون والإضاءة والحركة والعناصر المساعدة كالأقنعة وقطع القماش والملابس، لكنه قد يكتفي أحيانا بالحد الأدنى من التدخل تاركا لعناصر الصورة التقليدية فرصة التعبير.أيمن لطفي فنان مولع بالرمز والحكايات، يصنع من خلال رموزه عالمه الأسطوري الخاص الجامع لعناصر شتى وهكذا يراوح في تلك الصور بين الهدوء النسبي الذي تضفيه تلك الملامح الرائقة للأشخاص، والصخب الذي يتشكل من وحي ذلك الهجين الصارخ للوجه والعناصر المصاحبة له، لكنه في كلا الحالتين يحتفظ برمزيته وشغفه بالمعنى، فهو فنان مولع بالرمز والحكايات، وهو يصنع رموزه ويصيغها بنفسه، لينشئ عالما خاصا عن طريق التوليف بين المفردات والعناصر المختلفة: مشاهد طبيعية، وأدوات منزلية، خربشات عشوائية على الجدران وأقمشة ملونة، يضيف ويحذف ويعيد صياغة الأشكال والتفاصيل حتى يتحقق له ما أراد. وتلعب الإضاءة هنا دورا رئيسيا في تشكيل المشهد، فهي تتحكم في مسارات الرؤية عند المتلقي وتعزز الحضور البصري لعناصر بعينها، كما أنها تمثل عنصرا مساعدا في تأكيد هذا التباين بين درجات اللون الداكنة والمشرقة، وهي سمة غالبة في معظم أعمال الفنان. وضعيات الأشخاص في الصور تبدو أحيانا شبيهة بلوحات البورتريه الزيتية الكلاسيكية، في هيئتها وتناغم أجزائها ونظرتها الحالمة أو الحيادية في الكثير من الأحيان، وفي تداخلها أيضا مع الخلفية، وهو أمر طبيعي يتناسب مع سلوك الفنان ونزوعه إلى الحبكة والبناء المحكم لأجزاء العمل. ومن صور الوجوه ينتقل لطفي إلى مجموعة أخرى من الأعمال التي تشكل بنية مختلفة لرؤيته البصرية، وهي مجموعة تتسم بالتوليف الخيالي بين العناصر، وفي هذه الأعمال تتحول العناصر والمفردات المألوفة لنا والمستخدمة في حياتنا اليومية إلى كتل هائلة مستقرة في فضاء شاسع، بينما تبدو الشخوص ضئيلة وتائهة. وفي هذه الصور يرسم أيمن بالضوء أسطورته الفوتوغرافية الخاصة عبر حبكة خيالية وبصرية متقنة، يأتي بعناصر شتى ويجمع فيما بينها داخل إطار واحد: صنبور ماء وسط الصحراء وإلى جواره فتاة وحيدة تنتظر قاربا صغيرا مجدافاه شوكتا طعام، زهرة ذابلة، كوب أرجواني في يد صبية وسط أجواء ضبابية، معلبات تتحول إلى بيوت سكنية أو العكس، كلها مشاهد مسكونة بالصمت والكثير من علامات الاستفهام، وهو في مجمل أعماله لا يستسيغ الصياغات المباشرة للصورة، سواء تلك المتعلقة بالوجه أو بالمشاهد الخيالية المفتوحة. ويظل أيمن لطفي من خلال معرضه الأخير “الشريان” في حالة بحث دائم عن تلك الحالة التائهة بين اليقين والارتياب، وينبش في صوره عن هذا المعنى العالق بين الحضور والغياب.

مشاركة :