من المؤسف أن الأغلبية من النساء أصبحن يختصرن قيمة أنفسهن في مظهرهن الجذاب وقدهن الممشوق، ولا يمتلكن العزيمة ولا الثقة في النفس لتقبل رؤية وجوههن على طبيعتها.العرب يمينة حمدي [نُشر في 2017/05/26، العدد: 10644، ص(21)] نشرت صحيفة ديلي مايل الشعبية البريطانية تقريرا عن مجموعة من النساء، ذكرت فيه أن أغلبهن يضعن مساحيق التجميل على وجوههن أحيانا لأربع وعشرين ساعة، خوفا من أن تتاح الفرصة لأقرب الناس لرؤية وجوههن على طبيعتها الحقيقية. وقد ذكرني هذا بحال إحدى زميلات الدراسة، التي لم تكن تملك الإرادة القوية، للتخلي عن المرآة والعلب والمساحيق، ولو لساعة من الزمن في اليوم، فقد كان هوسها بمظهرها يدفعها في أغلب الأحيان إلى الجلوس في آخر الصف، حتى تتاح لها الفرصة من حين لآخر لرؤية وجهها وتعديل ما تلف من مكياجها من دون أن يتفطن لها المدرس. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل كشفت لنا في إحدى المرات أنها تبذل مجهودا جبارا من أجل أن تستفيق يوميا قبل موعد العمل بساعات، وتضع ماكياجها المعقد والمعتاد على وجهها ثم تقصد الجامعة، لم تكن تتقبل أبدا، فكرة أن يراها الناس من دون قناع المكياج، لأي سبب من الأسباب. وهناك الكثيرات من أمثالها ممن أصبحن سجينات صالونات التجميل ويجهدن أجسامهن بالحميات القاسية، لأنهن يطمحن لأن يكن جميلات ورشيقات، ويسكنهن هاجس التشبه بنماذج الهياكل العظمية من عارضات الأزياء، والمشاهير اللاتي تحيط بهن هالة إعلامية كبيرة، وتتسابق عدسات المصورين لإبراز مفاتنهن الاصطناعية. ولا يبدو أن خيار التخلي عن المساحيق، ولو لأيام معدودات من أجل ترك الفرصة للبشرة لتستعيد حيويتها ورونقها الطبيعيين، خيارا مقبولا لدى أغلب النساء اليوم، وخاصة بالنسبة إلى اللاتي لديهن علاقات معقدة مع أجسادهن، ويفترض عقلهن الباطن أنهن لن يكن جميلات من دون مساحيق في أعين من حولهن. من المؤسف أن الأغلبية من النساء أصبحن يختصرن قيمة أنفسهن في مظهرهن الجذاب وقدهن الممشوق، ولا يمتلكن العزيمة ولا الثقة في النفس لتقبل رؤية وجوههن على طبيعتها. ولا يقتصر مثل هذا الأمر على البلدان الغربية ففي مجتمعاتنا العربية تتسابق النساء والفتيات لاقتناء كريمات تفتيح البشرة حتى من تلك التي تباع على قارعة الطريق، وكل ذلك بسبب الاعتقاد السائد أن لون البشرة الأبيض يرمز إلى الجمال. وتكمن المخاطر المرتبطة باستخدام البعض من هذه الكريمات في أنها تسبب سرطان الدم اللوكيميا وسرطانات الكبد والكلى، بالإضافة إلى إصابات شديدة في البشرة مثل مرض يطلق عليه (التمعر Ochronosis) وهو شكل من أشكال اصطباغ البشرة وتحويلها إلى اللون الأرجواني الداكن، بحسب ما أكد الباحث ليستر ديفيدس من جامعة كيب تاون بجنوب أفريقيا. يبدو أن شركات التجميل التي أغدقت علينا نعم الجمال الاصطناعي دون حساب، لن تسدي لنا أيضا جميلا وتكشف عن النقم الكامنة في مستحضراتها ومضارها الكبيرة على البشرة والصحة بصفة عامة. ولذلك، فبدلا من التفكير المرير في تغيير لون البشرة والتخلص من بقع حب الشباب والنمش البادية على وجوهنا، والأشياء السلبية التي نظنها في أنفسنا، كي يتماشى مظهرنا مع موضة هذا الزمن، لماذا لا نجعل شكلنا الطبيعي يغير الموضة؟ وعلاوة على ذلك، فالجمال الخِلقي مهما بلغ، لا يمكن أن يعوض عن الجمال الخلقي الكامن في جوهر الإنسان، أو كما صاغت الكاتبة الأميركية دوروثي باركر المعنى نفسه ببلاغة رائعة “الجمال ليس إلا قشرة خارجية رقيقة، أما القبح فهو متغلغل في المرء حتى العظام”. كاتبة تونسية مقيمة في لندنيمينة حمدي
مشاركة :