حضور المرأة بالصوت والصورة مطلوب لتوصيل الفكرة للناس من مصدرها الحقيقي، وغيابها يعكس مظهرا آخر من مظاهر التمييز غير المعلن بين الرجل والمرأة.العرب يمينة حمدي [نُشر في 2018/02/16، العدد: 10902، ص(21)] أدرك الإمام أبوحنيفة النعمان أنّه أعطى رجلا جلس في مجلسه العلمي أكثر من حجمه الحقيقي اغترارا بظاهره وما بدا عليه من هيبة ووقار، وبعد أن اكتشف من خلال أحد الأسئلة التي طرحها عليه جهله المدقع، مدّ ساقيه اللتين كانتا تؤلمانه قائلا “آن لأبي حنيفة أن يمدّ رجليه”. في سياق هذه القصة أكثر من معنى وعبرة عن الاعتبارات الشكلية التي يمكن أن تؤثر على خياراتنا في الحياة، وتقصي تفكيرنا في ما هو صحيح أو خطأ، وتتحول وبشكل ممنهج إلى أعراف سائدة من الصعب مقاومتها، حتى ولو كانت تصادر حريتنا وتمنعنا من فعل ما نريد. لعل الوقت قد حان أيضا للمرأة السعودية لتمثّل نفسها وتنخرط في مجتمعها بالصوت والصورة، وتجاوز حواجز الممنوعات التي افتعلتها التيارات الدينية المتشددة، ورسختها التقاليد البالية وتخرج من ذلك الإطار الضيّق للصورة السوداء المترهلة، التي لا تعبّر عن جوهر المرأة السعودية، ولا تعكس قيمتها الحقيقية. ولا أقصد بالصورة السوداء تلك العباءة ولا المظهر الخارجي، بل الصورة الذهنية التي يحملها الكثيرون عن المرأة السعودية الممنوعة من الكلام، والتي عوض أن تحكي عن نفسها يُحكى عنها. أمر جميل أن تفتح مواقع التواصل الاجتماعي للسعوديات أكثر من نافذة للحديث بصوتهن لا بأصوات الآخرين، ولكنه حديث يشوبه نوعا من الانفصام الداخلي والإحجام عن الظهور في العلن، حتى لكأنه ليس جزءا من حياتهن أو واقعهن. لا شك أن حضور المرأة بالصوت والصورة مطلوب لتوصيل الفكرة للناس من مصدرها الحقيقي، وغيابها يعكس مظهرا آخر من مظاهر التمييز غير المعلن بين الرجل والمرأة. من المؤسف أن الكثير من السعوديات ما زلن لا يعبّرن بأكثر من بضع جُمَلٍ عن آرائهن وطموحاتهن وتوجهاتهن وميولهن السياسية، ولا يجرؤن على إرفاق آرائهن بصورهن الخاصة في التقارير الصحافية، وهذا في حدّ ذاته يزيد من عملية الاستيلاء على حقوقهن، وكل ذلك بسبب خشية أسرية من الأب أو الزوج أو الأشقاء أو بدافع محاذير اجتماعية شائعة في الثقافة السعودية السائدة. ومن خلال تجربتي الصحافية نشرت العديد من التصريحات لنساء سعوديات ذكيات لهن القدرة على التعبير عن أفكارهن بجرأة، لكن لسوء الحظ خائفات أو مترددات في نشر صورهن صحبة آرائهن. على المستوى الأكثر سطحية، تعتقد البعض منهن أن صورهن غير ضرورية، ولكن بوسع الحضور العلني أن ينطوي على ما هو أكثر من مجرد التعبير عن الرأي بكثير. ثمة تأثيرات تراكمية في هذا الشأن قد تمنح بنات جنسهن الثقة، وتلهمهن الفرص أكثر للظهور وإظهار كفاءتهن، كما تسمح للكثيرين في العالم باكتشاف ما يجهلونه عن المرأة السعودية عبر نظرة حقيقية على إمكانياتها وتطلعاتها. فإذا لم تضع المرأة نفسها في المكانة التي يجب أن تكون فيها، وتثبت أنها أكثر من مجرد جسد خاضع للوصاية الذكورية، وأكثر من ربة بيت تطبخ وتنظف، وتبرز بصورتها وصوتها في دائرة الأضواء، فإنها ستكون أكبر عدوّة لنفسها، فهي بالتزامها بالاحتجاب عن الظهور تتواطأ مع المجتمع الذكوري على جنسها الأنثوي. التاريخ يشير إلى أن الإبداع يزدهر كلما وحيثما ألهم الناس بعضهم البعض، بغض النظر عمّا يدور في محيطهم الاجتماعي، ولكن إذا لم تتقدّم النساء القويات نحو الواجهة، فإن الأجيال القادمة من الفتيات ربما سيفكرن أيضا في أن الظهور في دائرة الأضواء ليس مناسبا لهن، وبالتالي يستمر الإحجام عن إنجازات المرأة في المجتمع. وأعتقد أن الباب قد أصبح مفتوحا اليوم أمام السعوديات للمشاركة في صناعة الحياة العامة في بلدهن، ولكنهن بحاجة إلى طرح الخوف من الظهور جانبا من أجل إثبات ذواتهن. وإن لم يفعلن ذلك فلا شيء سيأتي بمفرده. صحافية تونسية مقيمة في لندنيمينة حمدي
مشاركة :