بين المحاربة والمصالحة تقع تونس بقلم: حبيب المباركي

  • 5/27/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يوسف الشاهد يعي جيدا أن المرحلة الحالية لم تعد تنفع معها التعلات والأسباب الواهية وغير المبررة التي تلكأت بها حكومات سابقة للسير في اتجاه محاربة الفساد.العرب حبيب المباركي [نُشر في 2017/05/27، العدد: 10645، ص(4)] الفساد عنوان كبير للعديد من الظواهر الاجتماعية البالية التي عمّقت أزمة الدولة التونسية وأربكتها وأوصلتها حدا لا يطاق. الفساد استشرى في تونس وزاد منسوبه بعد ثورة يناير 2011. هو سرطان تغلغل في جميع القطاعات تقريبا حتى بات لا ينفع معه لا العلاج الكيميائي ولا غيره من طرق التداوي المتطورة ولا حتى التقليدية منها. دقت ساعة الحسم. الحسم في أمور غيّرت حياة التونسيين منذ زمن بعيد. التونسيون واعون بأن مآل هذه الساعة قريب لا محالة. ما لم تنجزه حكومات الائتلاف على أنواعها وسيرها المتعددة، أولاها حكومة “الترويكا” بقيادة حركة النهضة الإسلامية التي تشدّقت مرارا وتكرارا بكشف المستور ولكنها لم تفعل ووصل بها الأمر حد إطلاق وزارة كاملة مهمّتها الإشراف على “حقوق الإنسان” وتمرير القوانين الخاصة بمحاربة الفساد وكشف المتورطين فيه، وفي الحقيقة حقوق التونسيين التي ذهبت سدى. يشمل الفساد في تونس تقريبا كل المؤسسات الحكومية والإدارات العمومية، البنوك، الهياكل وطرق التسيير وكيفية إدارة موارد الدولة، الأسواق العمومية، التجارة الموازية، التهريب، الأشخاص المعنويين، رجال أعمال وشخصيات عمومية، والقائمة تطول ولا يمكن حصرها. من هذا المنطلق جاء بعث حكومة الوحدة الوطنية التي دعا إليها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وباركتها أحزاب ومنظمات وقعت على وثيقة قرطاج. وحتى لا نسقط في طور من الارتجال واجترار ما قيل عن هذه الحكومة وكيفية تشكيلها وتعهداتها، فمعلوم أنها وضعت محاربة الفساد على رأس أولوياتها. من هنا جاء خطاب رئيس الحكومة يوسف الشاهد جامعا، محددا، لا يستثني أحدا ممّن تحوم حولهم شبهات الفساد، مهما كانت الأسماء ومهما علت المراتب. الشاهد قال في ما مضى في تصريح لإذاعة خاصة إن “الحكومة تعهّدت بإعلان الحرب على الفساد عبر تكثيف حملات التوعية وإجراءات التدقيق والمسح الشامل والتفقد وتعميم تطبيق المنظومة الإعلامية للصفقات العمومية والتسريع في تطبيق أنظمة الحوكمة المفتوحة والإلكترونية وإصدار تعليمات من وزير العدل للنيابة العمومية لإعطاء ملفات الفساد الأولوية المطلقة في إثارة التتبع القضائي والعمل على مراجعة التعيينات والترقيات والتسميات في الوظيفة العمومية التي تعلقت بها شبهات فساد”. يعلم الشاهد أن المهمّة صعبة لكن السير فيها مطلوب خصوصا لجهة الظرفية الصعبة التي تمر بها البلاد. تونس واقعة بين مثلث خطير الزوايا. زواياه أشد وخزا حتى من وخز الإبر. قانون المصالحة الاقتصادي الذي يفترض أن يصادق عليه البرلمان في أمد قصير، وهو موضوع جدل وصخب كبيرين يعيش على وقعهما الشارع التونسي من ناحية. ناحية ثانية تحددها الاحتجاجات المطلبية المتواصلة في الجنوب التونسي (تطاوين) منذ فترة والتي أخذت منعطفا خطيرا في اليوميين الماضيين بعد حادثة مقتل شاب، تشكك الداخلية التونسية في ملابساتها، تبعتها أعمال حرق ونهب لمقرات أمنية في المحافظة المذكورة. آخر زوايا المثلث، الأشد لؤما في هكذا مستوى بالنسبة إلى من يشككون في سير الحكومة باتجاه محاربة الفساد والفاسدين، كان إعلانها التحدي والسير في هذا المسار الذي لطالما انتظره التونسيون كثيرا. يعرّف الفساد على أنه ظاهرة من الظواهر الاجتماعية السلبية التي تكاد تكون منتشرة في جميع المجتمعات وخاصة العربية منها، وتونس حالة متفرّدة بذاتها. هو من الأساليب الخاطئة التي يتبعها فرد من أفراد المجتمع من أجل تحقيق مكاسب ومصالح شخصية على حساب الآخرين. وهو أيضا خروج عن القانون والعرف السائد في المجتمع الذي يعيش فيه الأفراد. أي بمعنى أوضح وأدق هو استغلال للمناصب الرفيعة وذات السلطة والسيادة للحصول على ممتلكات الغير، سواء كان هذا الاستغلال لصالح فرد أو لصالح المجموعة في ظل غياب القوانين والعقوبات الرادعة لمثل هؤلاء الأفراد. مظاهر الفساد مختلفة ومتنوّعة وقد تكون في البعض من الأحيان متقاربة ومتشابهة في تونس. هذه المظاهر عبارة عن سلوكيات يقوم بها الأفراد الذين يمتلكون نوعا من النفوذ والسلطة، على قلتهم في تونس لكنّهم فاعلون. من هذا المنطلق تأتي دعوة الرئيس السبسي لرئيس الحكومة بعدم التواني مع الفاسدين وعدم العودة إلى الوراء في هكذا مواقف. السبسي دعا الشاهد مباشرة ودون تلميح بعد لقاء جمعهما الخميس إلى مواصلة الحرب على الفساد والفاسدين. وقال، كما جاء على لسان رئيس حكومته، “إن على الحكومة المضي قدما في الحرب على الفساد وكل ما من شأنه أن يهدد كيان الدولة ويمسّ من مناعة اقتصادها وأمنها القومي وضرورة حشد كل الإمكانيات القانونية والمادية لذلك”. الفساد بأبشع صوره أنهك قدرات الدولة وشلّ حركتها في أكثر المجالات حيوية، حتى كاد معه كل تونسي يصدق أنه بات عقيدة مترسّخة في أجهزة الدولة لا مناص من الإفلات منها. وحتى يصبح الفعل مرتبطا بالقول مطلوب خوض هذا التحدي بأكثر جرأة وثقة في النفس دون تأجيل. لا تنفع في هكذا مرحلة التعلاّت والأسباب الواهية وغير المبررة التي تلكأت بها حكومات سابقة للسير في هذا الاتجاه. رسالة رئيس الحكومة يوسف الشاهد تأتي في هذا الاتجاه “الحكومة ستخوض المعركة ضد الفساد حتى النهاية وهي متحمّلة لمسؤولياتها”. كاتب من تونسحبيب المباركي

مشاركة :