وزارة التنمية الوطنية - د. مشاري بن عبدالله النعيم

  • 5/31/2014
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أثناء المشاركة في اللجنة السعودية المجرية التي عقدت اجتماعها الأول في "بودابست" قبل عشرة أيام تقريباً، لفت نظري أن هذا البلد الصغير الذي لم يتجاوز عدد سكانه 10 ملايين نسمة قد وصلت صادراته إلى 100 مليار دولار، رغم أنه لم ينضم لدول الاتحاد الأوربي إلا قبل عشر سنوات ولم يتحول إلى "اليورو" بل مازال يستخدم عملته المحلية "الفورن" حتى اليوم. سألت بعض أفراد الجانب المجري عن سر هذا النمو السريع فمن دولة اشتراكية متهالكة إلى بلد ينمو ويتطور بسرعة مذهلة، فقال لي لقد تحولت البلد إلى خلية عمل وتم إنشاء وزارتين كبيرتين تشرفان على عدة وزارات هما: وزارة الموارد البشرية، ووزارة التنمية الوطنية، وباقي الوزارات -ما عدا الوزارات السيادية مثل الداخلية والخارجية والدفاع- تقع ضمن هاتين الوزارتين. الهدف هنا هو التنسيق والعمل بتوافق يضمن التناغم في عملية التنمية وتحديد الأهداف الاستراتيجية وتنفيذها بطريقة لا يحدث فيها تضارب أو أخطاء. لقد زاد عدد دافعي الضرائب في هذه الدولة خلال بضع سنوات من مليون و 400 ألف إلى أكثر من أربعة ملايين وقد أدى هذا إلى تضاعف مخزون الحكومة ومكنها من العمل على تنفيذ خططها التنموية. نحن بحاجة فعلاً إلى دمج بعض الوزارات التي تتشابه في أدوارها أو تتقاطع مع بعضها البعض تحت مظلة أكبر تعمل على المستوى الوطني كوحدة واحدة ومثال على ذلك وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط ومعهما الخدمة المدنية ويمكن تسمية هذه الوزارة «التنمية الوطنية» دعوني أقول إنني كنت أفكر في مثل هذا التنظيم الإداري ومدى فاعليته لدينا، خصوصاً مع هذه المتناقضات والتعطيل للمشاريع والأخطاء الكبيرة التي نقع فيها، قلت في نفسي نحن بحاجة فعلاً إلى دمج بعض الوزارات التي تتشابه في أدوارها أو تتقاطع مع بعضها البعض تحت مظلة أكبر تعمل على المستوى الوطني كوحدة واحدة ومثال على ذلك وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط ومعهما الخدمة المدنية ويمكن تسمية هذه الوزارة "التنمية الوطنية" وتكون مهمتها الأساسية تنمية الموارد البشرية الوطنية وتدريبها وإشراكها في المشاريع التنموية الأساسية من أجل خلق جيل من المواطنين القادرين على حمل التنمية الوطنية إلى أبعاد جديدة وتوطين الخبرات التي نخسرها كل يوم في الوقت الراهن. وتمكين أمانات المناطق من العمل على إدارة التنمية المحلية فقد قابلت فريقاً من بلدية "بودابست" ولمست كيف تعمل البلدية على التنمية المحلية وكيف تتناغم مع التنظيم المؤسسي الحكومي على المستوى الوطني. وجدت في هذه الفكرة فرصة للقضاء على البطالة والحد من الاعتماد على العمالة والخبرات الخارجية وحفظ مواردنا الاقتصادية. بصراحة شديدة بعض مفاهيمنا الإدارية الحالية تجسد ما يهدر الطاقات والموارد ولا تصنع أي خبرات وطنية، ومن المعروف أن الأمم لا تنهض إلا على يد أبنائها واعتمادنا الدائم على الخارج في كل صغيرة وكبيرة سيرهقنا وسيزيدنا عطشا، ولنفكر في تجربتنا السابقة فقد كنا نلوم الطفرة الأولى بأنها كانت مباغته ولم يكن هناك سعوديون مؤهلون وبذلك أجبرنا على الاستعانة بالشركات الأجنبية والآن بعد مرور 40 عاماً ازددنا اعتماداً على الخارج وبشكل غريب رغم أن المواطنين تعلموا وأصبحت لديهم تجارب. المشكلة مازالت موجودة وهي غياب أي استراتيجية توطين للخبرات والعمل على تنفيذها بصبر. دولة صغيرة مثل المجر، استطاعت أن تتغير خلال عشرة أعوام، فما الذي يمنعنا أن نتغير؟، فلو أننا بدأنا بالإصلاح الإداري منذ أن أعلنا عنه لكانت الأمور تغيرت كثيراً الآن، والفرصة مازالت مواتية لنا وبشكل كبير. أخشى ما أخشاه، هو هذا التباطؤ والتردد، فهذا يعيقنا ويجعل من الحلول الممكنة مستحيلة، وهذا ما لا نريده ولا نتمناه. فرق العمل المجرية التي ناظرت الفرق السعودية كانت واضحة جداً ومستعدة وتعرف ماذا تريد منا وكيف تحصل عليه ولن أقول إننا، وأقصد هنا الجانب السعودي، إننا لم نكن مستعدين ومرتبطين بخطة تنمية وطنية واضحة، فكل جهة كانت تغني على ليلاها، وهذه ليست المرة الأولى، فقد شاركت في لجان سابقة ونفس المشهد يتكرر، والسبب هو أن كل وزارة تفكر منعزلة عن الأخرى، وخطط التنمية لا تنعكس على برامج تنفيذية شاملة، والتنسيق شبه مفقود وبالتالي تكون النتيجة دائما هي تشتت وغياب للأهداف وضياع لفرص التنمية المتتالية. في اعتقادي أننا نملك الكثير من الفرص وعلينا أن نستغلها قبل فوات الأوان، فكل عام يمر تزداد المشاكل وتتعقد وتصبح مستحيلة الحل. لقد لاحظت أن أحد أسباب التحول التنموي في المجر هو مرونة الأنظمة وإمكانية تعديلها وتطويرها في الوقت المناسب. إذا ما كان هذا التعديل يصب في مصلحة التنمية الوطنية، ولعل هذه المسألة على وجه الخصوص شدتني بشكل لافت، فنحن نتفنن في تعطيل الأنظمة وحتى يصدر أي نظام يكون قد مضى الوقت الكافي الذي يجعل من النظام قديماً وغير مناسب، ولا أعلم حقيقة لماذا هذا البطء التنظيمي لدينا، ولماذا لا نحفل بالثمن الذي يدفعه الوطن نتيجة لهذا التباطؤ. من المعروف أن أي تغيير بحاجة إلى تشريع يسانده، وأي حديث عن "تغيير" أو "إصلاح" دون صدور منظومة من القوانين الإصلاحية يظل مجرد حديث في الهواء. ربما أكثر القراء يعلمون أن أغلب الدول التي تمر بفترات تغيير حرجة، تتطلب إصلاحاً تنظيمياً على مستوى الأنظمة والقوانين قبل أي إصلاح إداري، أي إنه من العبث أن ننشئ وزارات أو ندمج وزارات (كما اقترحت في هذا المقال) قبل أن نقوم بعملية إصلاح تنظيمي وقانوني واسع، وإلا فإننا سنكرر أخطاءنا ولكن ربما بشكل مختلف. التغيير يكمن بشكل عميق في التنظيم والتقنين، وفي اعتقادي أن أحد أسباب عدم التناغم الإداراي بين وزاراتنا هو ضعف التنظيم الإداري وغياب مراقبة تطبيقه، لذلك فإن اقتراح إنشاء وزارة للتنمية الوطنية هو مجرد بداية يجب أن يسبقها إصلاح تنظيمي، وهي وزارة "مرحلية" أي إنها يجب أن تعمل لفترة محدودة حتى يحدث الاستقرار التنموي ثم بعد ذلك يجب أن يكون هناك تركيز على "الإدارة المحلية" وتمكينها لأنها هي التي ستضمن استمرار التنمية وتطورها.

مشاركة :