«حتى حَتْحَتت قلبي» - سعود عبدالعزيز الجنيدل

  • 6/5/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

مما لا شك فيه أن اللغة العربية لغةٌ تحمل بين طياتها الكثير من الأسرار اللغوية، والمثير للاستغراب أنك ترى اختلافات في كثير من مسائلها حتى بين المتخصصين، والأكاديميين، فكثيراً ما سمعنا اختلافات بين الأكاديميين على بعض المسائل في اللغة - ستكون موضوعاً لمقال قادم - فحتى قرارات المجمع اللغوي لم تكن بمنأى عن هذه الانتقادات. ولو عدنا بآلة الزمن إلى الوراء لوجدنا تلك الاختلافات بين النحويين، فمثلاً البصريون، وسيدهم سيبويه، اختلفوا كثيراً مع الكوفيين، والعكس كذلك، والمسألة الزنبورية خير شاهد على تلك الخلافات، مما حدا بابن الأنباري أن يؤلف مؤلفه الشهير «الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين»، وكذلك الخلافات بين الشعراء واللغويين، مثلما حصل بين الفرزدق وابن إسحاق الحضرمي. والحديث في هذا ذو شجون، لكني ارتأيت مثالاً واحداً لأسرار هذه اللغة. المثال هو كلمة «حتى» وما أدراك ما حتى!؟. ما أزال أواجه صعوبة، واندهاشاً منها، ومما أثلج صدري أنني لم أكن وحيداً في هذا الأمر، بل إن كثيراً من النحويين قد سبقوني، فهذا العالم اللغوي الكبير الفراء وهو على فراش الموت، يقول: «أموت وفي نفسي شيء من حتى»، وقالت العرب «حتى حتحتت قلوب النحويين». والسبب في ذلك أنها تدخل على الأسماء والأفعال، وتعمل فيهما. سأذكر أبرز استعمالات «حتى» من دون إيغال فيها أو ذكر الاختلافات، لأن المقال عام وليس خاصاً بالنحويين. 1 - حتى الابتدائية: فما زالت القتلى تمج دماؤها بدجلة حتى ماء دجلة أشكل 2 - حتى الجارة: أكلت السمكة حتى رأسِها. 3 - حتى العاطفة: جاء الجنود حتى المشاة. 4 - حتى الناصبة للفعل المضارع: أطع الله حتى يدخلَكَ الجنة. دائماً ما أقول إن اللغة العربية محيط كبير، قلما يستطيع أحد ركوب أمواجه، والغوص في قيعانه، لهذا يقول الإمام الشافعي -رحمه الله- «لسان العرب أوسع الألسنة لا يحيط بجميعه إلا نبي». ومع هذا يجب علينا بذل الجهد في تعلمها، وتعليمها لأولادنا، وإعطائها وقتاً وجهداً حتى لو لم تكن من صميم اختصاصنا، ألا يكفينا أنها لغة القرآن الكريم، مع عدم إغفال العلوم الأخرى، واللغات الأخرى، فعلى الأقل يكون بحوزتنا شيء من العلم بلغتنا، وأسرارها، وكذلك لغة أجنبية أخرى كالإنجليزية مثلاً، فبهذا سنكون قادرين على تعليم لغتنا للآخرين، والمعرفة والاطلاع على ثقافات أخرى. ومهما يكن من أمر، فاللغات مفاتيح للعلم والمعرفة، وكلي ثقة أن «حتى وحدها ستحتحت قلبك».

مشاركة :