شهادة من كواليس الجبهة المصرية: القرار السياسي فرض نفسه بقلم: أحمد حافظ

  • 6/5/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

شهادة من كواليس الجبهة المصرية: القرار السياسي فرض نفسهمازالت ذاكرة أجيال من المصريين تختزن مشاهد انهيار الجيش المصري خلال حرب يونيو 1967 التي لا تزال تداعياتها راسخة في أذهان المصريين، نتيجة الخسائر البشرية الكبيرة والدمار والهزيمة العسكرية، فيما لم تنجح البلاد حتى اليوم في استعادة دورها القيادي في العالم العربي.العرب أحمد حافظ [نُشر في 2017/06/05، العدد: 10654، ص(8)]الجندي المصري لم يعرف متى بدأت الحرب ومتى انتهت القاهرة - كانت مصر تشارك في حرب اليمن أثناء إعلانها دخولها في حرب مع إسرائيل سنة 1967. ومازال هناك محللون وخبراء يرون أن دخول مصر حربين في توقيت زمني واحد عرّضها لخسائر فادحة وكان مقدمة لنكسة 67، لكن ثمة من ينكرون ذلك بشدّة. من هؤلاء اللواء طلعت موسى، الذي كان مسؤولا عن الموقع الدفاعي المنوط به حماية القاهرة من الاعتداءات القادمة إليها من ناحية خط قناة السويس، وكان يرأس فرقة كاملة من الضبّاط والجنود بالأسلحة الثقيلة اتخذت من طريق الإسماعيلية الرابط بين العاصمة ومدن القناة مقرا لها. تحت عنوان “غياب التنسيق بين القيادتين السياسية والعسكرية تسبب في النكسة”، تحدث اللواء موسى لـ”العرب” عن الأسباب الرئيسية التي ساهمت احتلال إسرائيل لسيناء في حرب 1967 وتحقيقها مكاسب عديدة ما عرّض مصر لخسائر فادحة وضعت الجيش موضع سخرية من المصريين آنذاك، حسب قوله. عاد اللواء موسى، الذي شارك في حروب اليمن و1967 والاستنزاف وأكتوبر 1973، بذاكرته إلى خمسين عاما ماضية متذكرا الأيام التي سبقت إعلان الحرب، مشيرا إلى أن مصر لم يكن في نيتها خوض الحرب آنذاك وأن إسرائيل هي من قامت ببعض الاستفزازات على الحدود السورية ما جعل الرئيس المصري جمال عبدالناصر يقرر الالتزام باتفاقية الدفاع العربي المشترك التي وقعتها الدول العربية في مدينة الإسكندرية عام 1950، التي نصت على أن الاعتداء على أي دولة يمثل اعتداء على كل الدول الموقعة على الاتفاقية.مصر استعدت لهذه المعركة من يوم 17 مايو، لكنها حتى صبيحة يوم 5 يونيو، لم تبادر بأي اعتداء، وهنا كان الاستغراب الشديد من جانب قيادات داخل المؤسسة العسكرية رفع عبد الناصر درجة الاستعداد القصوى داخل الجيش المصري وقام بتعبئة القوات في سيناء الواقعة على الحدود المصرية مع إسرائيل ورفع قوات الطوارئ الدولية على الحدود بين مصر وإسرائيل ما جعل المواجهة مباشرة بين القوات المصرية والإسرائيلية، ثم أعلن إغلاق مضيق تيران في وجه الملاحة البحرية الإسرائيلية ما اعتبره الجانب الإسرائيلي بمثابة “إعلان حرب” من جانب مصر. في نفس الوقت كانت هناك توصية من الأجهزة الأمنية والعسكرية في مصر للقيادة السياسية بتفادي الدخول في عمليات عسكرية مباشرة مع إسرائيل خلال هذه الفترة طالما أن هناك قوات مصرية تشارك في حرب اليمن، لكن القرار السياسي فرض نفسه. وقرر عبدالناصر غلق كل الممرات البحرية أمام حركة الملاحة الإسرائيلية. يذكر اللواء طلعت موسى أن مصر استعدت لهذه المعركة من يوم 17 مايو 1967، لكنها حتى صبيحة يوم 5 يونيو، لم تبادر بأي اعتداء، وهنا كان الاستغراب الشديد من جانب قيادات داخل المؤسسة العسكرية، لقد كان عبدالناصر يرفض قيام الجيش المصري بالهجوم حتى لا يُتهم بأنه المعتدي. وحول دوافع عبدالناصر لاتخاذ مثل هذا القرار الخاطئ، قال موسى “كان قراره بعدم المبادرة بالهجوم بضغوط سياسية من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي، وهذا ما أقر به عبدالناصر نفسه في خطاب التنحي عن السلطة يوم 9 يونيو”. باغت سلاح الجو الإسرائيلي المطارات المصرية بضربات مكثفة من ناحية البحر على الجانب الغربي، في الثامنة من صباح يوم 5 يونيو، وقت إفطار الضباط والجنود. ولم تكن هناك فرصة أمام سلاح الجو المصري للرد سريعا، لأن أكثر من 80 بالمئة من القوات الجوية كانت على الأرض أو في وضع استعداد، ما تسبب في أن تتعرض المطارات والقوات لخسائر فادحة أفقدت مصر سلاحها الجوي تقريبا.اللواء طلعت موسى: إسرائيل باغتت مصر وقت إفطار الجنود و80 بالمئة من الطائرات على الأرض ويقول اللواء موسى إن الفريق عبدالمنعم رياض، قائد الجبهة في الأردن، رصد تحركات الطيران الإسرائيلي فوق سماء الأردن قادما إلى مصر في ساعة مبكّرة من صباح 5 يونيو، وأرسل رسالة مشفّرة إلى القيادة العسكرية في مصر، والمفترض أن حل شفرة الرسالة لا يستغرق أكثر من دقيقة، لكن حدث تأخر ولم تُحل الشفرة سريعا لأسباب غير معلومة ولم تتأهب القوات الجويّة. وأضاف أنه حتى عندما كانت هناك محاولة لاستخدام سلاح المدفعية في صد الهجمات الإسرائيلية، كان المشير عبدالحكيم عامر في سماء المعركة يستكشف حال الجنود والضباط بمختلف التمركزات أثناء توقيت الاستعانة بسلاح المدفعيّة، وبالتالي تم وقف المدفعية لحين هبوطه على الأرض، لأنه ممنوع تماما استخدام المدفعية ووزير الحربية في الجو. في هذه الأثناء، كانت أكثرية قوات سيناء تحت الأرض وفي المخابئ، وبعد صدور قرار الانسحاب من جانب عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة من دون العودة إلى عبدالناصر (حسب كلام طلعت موسى)، خرجت القوات إلى الأرض دون غطاء جوي يحميها، ما استغله الطيران الإسرائيلي وضاعف من ضرباته وتسبب ذلك في خسائر مادية وبشرية فادحة، وتم تدمير نحو 75 بالمئة من المعدات العسكرية بسيناء، وكان ذلك بسبب قرار خاطئ بالانسحاب بشكل عشوائي ودون خطّة. لم تغب عن ذاكرة اللواء طلعت موسى الحالة النفسية السيئة التي سيطرت على الشارع المصري والعربي آنذاك وأدت إلى انهيار المشروع القومي للرئيس عبدالناصر، وجعلته أكثر واقعية، خاصة وأن الأجواء العامة التي سبقت الحرب كانت توحي بأن الجيش المصري سوف يدخل إسرائيل سيرا على الأقدام لارتفاع الروح المعنوية بين الضباط والجنود، وكانت هناك مساندة واسعة شعبية. وصب الشارع غضبه على الجيش عقب الخسارة إلى درجة أنه تم إطلاق النكات عليه من جانب البعض، حتى خرج عبدالناصر وبرأ الجيش من سبب الهزيمة وأكد تحمله المسؤولية كاملة. ويرى اللواء طلعت موسى أن ما خفّف من وطأة الهجوم على الجيش أن هناك عمليات فدائية قام بها بعض ضباط سلاح الجو الذين لم تلحق بطائراتهم أي أضرار، وكانوا يقومون بطلعات انتحارية من دون تكليفات رسمية ضد سلاح الجو الإسرائيلي، فضلا عن قيام ضباط ومجندين من سيناء بتنفيذ عمليات مماثلة داخل تل أبيب من دون إبلاغ قادتهم، من هؤلاء الفريق سعدالدين الشاذلي الذي كان قائد كتيبة في سيناء اخترق بها الحدود مع إسرائيل. كاتب مصري

مشاركة :