مائدة الإفطار.. ما بين الأمس واليوم!

  • 6/8/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

إنّ ذاكرتنا تحمل في طياتها كثيراً من اللحظات المميزة التي كانت ترافق شهر الصوم، حيث يمثّل أحد أهم الأعياد الجميلة التي تنشر عبق الفرح والسعادة داخل بيوتنا. كانت مرحلة الغروب واقتراب موعد الإفطار تتميز بما يسمى «حركة تناقل الأطباق»، فتجد انتشاراً غير مسبوق للأطفال، وهم يتسابقون لنقل أطباق الطعام ما بين البيوت، حيث إنّ كلّ أسرة تفضي بما لديها على جيرانها، ليصبح فيضان الكرم والجود عنواناً لديهم، فتصبح مائدة البيت الواحد متنوعة من كل الأصناف فيتوه طبق العائلة الأصلي مع كمّ أطباق الطعام الواردة، فالصادر أكثر من الوارد. إنّها المحبة والسؤال عن الجار في شهر الرحمة. لقد أوصانا نبينا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام بالجار، وأهمية تفقدّه، خصوصاً في شهر المودة والرحمة. إنّ التقاليد الرمضانية الجميلة قد أصابتها لعنة الحداثة والتكنولوجيا فجرّدتها من روحها الاجتماعية وأصابتها بعزلة وتغيير في الشكل، فاختفت بعض جمالياتها من زينة الاستقبال ولقاء الناس والأقارب والأصدقاء والجيران حول مائدة واحدة، في الأمس كانت العائلات تتسابق في تقديم الولائم والدعوات فكانت اللقاءات العائلية، حتى إنّ البيت قد اتسّع، وأصبحت كل البيوت واحدة. قديماً كان الناس يتسابقون بتزيين بيوتهم تزامناً مع حلول أيام الشهر الفضيل، ولكن العالم الإلكتروني ألقى بظلاله فأصبحت زينة شهر رمضان حبيسة صور الجوالات، ويتم تناقلها كأنما هي واجب يراد الانتهاء منه لا أكثر. وكلمات المباركة بالشهر الكريم اختصرها عالم السرعة فتكرر صداها عبر الجوالات دونما روح. وحتى شاشات التلفاز التي كانت تتزين بالصور الرمضانية غدا معظم برامجها من دون نكهة دينية أو لمسة رمضانية. بالأمس، كان مشهد المائدة لا يضم إلا بشراً تجمعهم بهجة وسعادة، واليوم قد زاحم هؤلاء البشر ضيفٌ جديد على موائدهم، ألا وهي «الجوالات»، فذلك الضيف الثقيل على مائدة العائلة يسرق عقول الجالسين على مائدة الإفطار، ويفرّقهم بعيداً عن الهدف من جلوسهم معاً، وتصبح تلك المائدة مجرّد مكان بلا روح، وتتحوّل تلك «الجوالات» لتتصدر المشهد الرمضاني. إنّ مائدة الإفطار هي فرصة للقاء، للتراحم، للمحبة والمودّة. وحكمة الصيام بأن نتذكّر من لا يجدون طعاماً فنساعدهم ونشكر ونحمد الله تعالى على نعمته. إنّه رمضان شهر التراحم والمحبّة، ومع قدومه يجب أن نعيد تنظيم أوقاتنا وعقارب ساعاتنا. فأيام ذلك الشهر الكريم تمضي سريعاً، فهل بالإمكان ألا نعطي الفرصة لشبكات التواصل الاجتماعي وذلك العالم الإلكتروني من سرقة ذلك الوقت الثمين الذي يزيدنا قرباً لله تعالى، ويزيدنا من اقتراب بعضنا إلى بعض، فالأسرة اليوم تحتاج أكثر من أي وقت مضى لذلك الوقت في سبيل المزيد من التراحم والمودّة.. رمضان كريم.. د. عبدالفتاح ناجيabdelfttahnaji@yahoo.com

مشاركة :