نور الشريف... الفيلسوف العاشق (14 - 30)

  • 6/9/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لم يتعمّد النجم الشاب نور الشريف الدخول في «دوامة الضياع» طواعية أو عن عمد، بل ساقته إليها قلة خبرته، و«شلة السوء» التي جعلته لا يلجأ إلى أساتذته أو يستشير من هم أكثر خبرة منه في الوسط الفني، إذ زينت له، وكان معظم أفرادها من خارج الوسط الفني وبعض الممثلين الثانويين، الطريق الذي يسير فيه، وأوعزت إليه أنه أصبح أكبر من أن يستشير أحداً في مستقبله الفني. رافق نور الشريف «شلة السوء»، ما ساهم في تشويه صورته، ليس إزاء الوسط الفني فحسب، بل الأهم إزاء الجمهور الذي يحدّد مصير أي فنان، وإن كان ثمة من يؤمن بموهبة نور الشريف، ويعرف أن لديه الكثير ليقدمه. ورغم إيمان الشريف نفسه بذلك، فإن الدوامة التي دخلها من دون أن يدري، حجبت عنه ذلك، حتى تلقى هذا الاتصال: = صباح الخير.. أستاذ نور الشريف؟ * أيوا يا فندم تحت أمرك. = أنا بكلم حضرتك من رئاسة الجمهورية. * رئاسة جمهورية مصر العربية. = بالتأكيد... ولا حضرتك عايش فين؟ * لا مش قصدي يا فندم. معلش أصل متلخبط شوية. = ما فيش مشكلة. بس يا ريت يكون في فرصة نتقابل... في كلمتين لازم أبلغهم لحضرتك. * تحت أمرك يا فندم. زي ما حضرتك تحب شوف امتي. دلوقتي لو عايز. = لا خليها بكرا. نتقابل إن شاء الله الساعة عشرة صباحاً في نادي الزمالك. * نادي الزمالك. = أيوا... أنت مش متعود تروح نادي الزمالك كل يوم جمعة الساعة تمانية صباحا؟ * إيه... آه... أيوا مظبوط. كل يوم جمعة من الساعة تمانية بكون في النادي. = خلاص. يبقى بكرا الساعة عشرة هنتقابل هناك... مناسب لحضرتك؟ * طبعا مناسب. بس هو ممكن أعرف مين معايا يا أفندم؟ = مستعجل ليه؟ ما إحنا هنتقابل بكرا ونتعرف على بعض. * طب وأنا هعرف حضرتك إزاي؟ = أنت النجم. وأنا بالتأكيد اللي هعرفك. لم ينم نور الشريف ليلته، وظلّ طوال الليل يفكر في هذه المكالمة الهاتفية التي راحت تؤرقه، ويتساءل ويضع إجابات افتراضية، لكنها لم تكن شافية، ولم ترحه. فما الذي يمكن أن يريده «مندوب رئيس الجمهورية» منه؟ وهو كل همومه السياسية لأجل وطنه! رسالة في وقتها في الثامنة صباحاً يوم الجمعة، كان نور الشريف يقف بالقرب من باب النادي. على غير عادته، لم يكن مرحاً يضحك ويصافح كل من يقابله بحرارة، ويتحدث عن أدواره والجديد لديه، بل ظلّ قلقاً متوتراً في انتظار هذا الضيف الذي لا يعرف ما الذي يحمله إليه، حتى فوجئ في العاشرة تماماً بمن يتقدم منه ويصافحه ويقدم نفسه: = أهلا أستاذ نور. أنا مندوب رئاسة الجمهورية. * أهلا يا فندم. اتفضل استريح. حضرتك تشرب إيه؟ = أشكرك أنا جاي في مهمة محددة وهمشي على طول. * مهمة محددة! = إيه شايف حضرتك متوتر ليه؟ * لا أبدا أنا بس كنت عايز أعرف نوع المهمة. = رسالة... رسالة من الرئيس جمال عبدالناصر لك. * رسالة من الريس شخصيا ليا أنا؟ = الريس بيوصلك رسالة علشان يقولك إنه بيتابعك في مسلسل «القاهرة والناس» وأنه معجب بأدائك جداً. وكمان بيقولك خلي بالك من نفسك. أنت ممثل هايل وهيكون لك مستقبل كبير. * أنا مش مصدق اللي باسمعه. الريس جمال عبدالناصر معجب بيا أنا وبيوصيني على نفسي. = بالتأكيد لأن الفن شيء راق ومحترم. والفنان الحقيقي يا أستاذ نور يعتبر ثروة قومية. * يعني الريس عبدالناصر بيشوف المسلسل؟ = ومعجب بيه... وبدورك فيه... وشايف أنه طاقة إيجابية مهمة للشباب. أظن أني وصلت الرسالة... وبتمنالك التوفيق والنجاح. انصرف رجل الرئاسة، وظلّ نور الشريف جالساً في مكانه مندهشاً بما حدث، وبأن الرئيس جمال عبدالناصر يشاهد مسلسل «القاهرة والناس»، بل ويعجب بأداء ممثل شاب من بين الممثلين المشاركين كلهم فيه، بل ومن بين الفنانين المصريين، ويبحث عنه ويرسل إليه مندوباً من رئاسة الجمهورية، ليبلغه هذه الرسالة... كيف ولماذا؟ راح نور الشريف يمشي في النادي على غير هدى، لا ينصت إلى من ينادون عليه ولا ينظر إلى من يشيرون إليه بالتحية، أو من يقتربون منه لمصافحته، فكان يمدّ يده بشكل آلي من دون أن يدري من صافحه، وماذا يقول له؟ كان مشغولاً بأسئلة عدة راحت تتداعى على رأسه، ولم يجد لها تفسيراً: * إلى هذا الحد يمكن أن يكون الفنان مؤثراً؟ وفي من يؤثر؟ في رئيس الجمهورية؟ وهذا الرجل، الزعيم الكبير، المشغول بهموم الوطن كله، والذي يخوض حرباً شرسة ضد العدو هي «حرب الاستنزاف» هل لديه من الوقت ليشاهد عملاً فنياً، ويعجب به، ويحرص على أن يرسل رسالة إلى أحد الأبطال ليقدم له تحية على دوره فيه... لماذا؟ مؤكد أن للفن تأثيراً قوياً في الناس. إذاً لم يكن مجرد كلام ما يقال عن تغيّر نظرة المجتمع إلى الفنان ودوره؟ وإلا ما كان الرئيس اهتم بي إلى هذه الدرجة. فليأت والد صافيناز ليسمع ما قاله مندوب الرئاسة عن الفن والفنانين، وعن رسالة الرئيس عبدالناصر لي. لكن لماذا أنا تحديداً؟ لماذا لم يرسل مندوبه إلى مخرج العمل؟ الجمهور لا يرى المخرج، رغم أهميته ورغم أنه صانع العمل الأول، والناس يتأثرون بمن يرون أمامهم، بالممثل. لكن هل أنا كما حاول الرئيس عبدالناصر أن يقول لي؟ هل أنا فعلاً ممثل جيد وسيكون لي مستقبل كبير؟ أسئلة عدة دارت في رأس نور الشريف، وعرف أنه لا بد من أن يعيد حساباته في أعماله، وفي كل ما يعرض عليه في الفترة المقبلة. غير أن ما لفت نظره أن مندوب رئاسة الجمهورية لم يطلب لقاءه في بيته بل في «نادي الزمالك»، فشعر بأن السبب أنه يعيش في حي السيدة زينب الشعبي، المكتظ بالسكان، وربما كان من الصعب أن يدخل المندوب إلى حي شعبي فيثير القلق. راح يسأل نفسه بعيداً عن زيارة مندوب الرئاسة: لماذا لا يملك «شقة» في منطقة راقية كبقية الفنانين؟ مظهر الفنان ووضعه الاجتماعي عاملان مهمان جداً في مسيرته الفنية، بل وربما ينظر إليهما البعض على اعتبار أنهما «عنوان مكانة الفنان»، لذا لا بد من أن يهتم بذلك الجزء المهم من الشكل الاجتماعي، ويستأجر شقة تليق بمكانته الجديدة كنجم صاعد، رغم عشقه الكبير لحي «السيدة زينب»، الذي كان قرر ألا ينسلخ عنه. لكن متطلبات وضعه الاجتماعي الجديد تجبره على ذلك. فاتح الشريف صلاح السعدني في الأمر على استحياء، فكانت المفاجأة أن صديقه اتخذ القرار نفسه، واستأجر شقة في إحدى عمارات شارع قصر النيل بوسط القاهرة، إلى جانب «سينما قصر النيل»: = تصدق أنك ابن حلال. * إيه ده مين اللي قالك؟ = هاهاها لا دي نباهة يا ابني. * لا صحيح. تعرف طريق شقة كويسة؟ = يا ابني... لازم تعرف أن الحاج جابر عليه رحمة الله ميت وهو راضٍ عنك. * ده أكيد لأني كان عندي تسعة أشهر ملحقش يغضب عليا... بس بجد قوللي تعرف مكان شقة؟ = أعرف. طب ده أنا أعرف شقة بيني وبينها متر ونص. * متر ونص؟ تقصد أن الشقة.... = نعم يا ابني. الشقة اللي قدامي في العمارة فاضية. إيه رأيك بقى؟ * رأيي... أنت لسه بتسألني؟ = خلاص هسأل صاحب العمارة النهاردة إذا كانت لسه فاضية... وأرد عليك بكره. * النهاردة مين وبكره مين... قوم بينا على حضرة صاحب العمارة. في اليوم نفسه، استأجر نور الشريف الشقة المقابلة لصلاح السعدني، والتي تطلّ على شارع قصر النيل، أهم شوارع وسط القاهرة، ويطلق عليه «سرة وسط البلد» باعتباره يؤدي إلى شوارع وسط القاهرة وميادينها كلها، ويبعد خطوات عن شارع عماد الدين الذي يمتلئ بالمسارح ودور السينما، فضلاً عن دور العرض في الشوارع الأخرى المحيطة. صدمة مضاعفة في اليوم نفسه الذي استأجر الشقة الجديدة، قرر أن يعاود الذهاب إلى بيت صافيناز ليطلب يدها مجدداً من والدها، فالوضع الآن مختلف، وقد وصلته الرسالة واستوعب ما كان يقصده والدها، وأكدت ذلك رسالة الزعيم جمال عبدالناصر له. فوق هذا كله، لديه شقة في أحد أهم شوارع القاهرة وأشهرها، فمن المؤكد أن الوضع هذه المرة سيختلف: = أظنّ أننا سبق وتكلمنا في الموضوع ده قبل كده. * أيوا يا فندم الموضوع دلوقت مختلف. = إيه اللي اختلف فيه؟ * أنا فهمت كويس الرسالة اللي حضرتك حبيت توصلهالي واستوعبتها. وأوعدك يا عمي إني هكون عند حسن ظنك. = أستاذ نور. أنا آسف بصراحة أنا بنتي متقدم لها عريس من أسرة كبيرة. وأنا شايف أنه هيكون الأنسب لبنتي وأنه هيقدر يسعدها. كانت الصدمة هذه المرة أشدّ من سابقتها، فالوضع أصبح أكثر تعقيداّ، ففي الأفق رجل آخر يبدو أنه ثري، والمال إذا دخل في منافسة أمام الحب، فإنه يكسب في نظر الأهل، ظناً منهم أنه سيكفل لابنتهم حياة سعيدة. لكنه لن يقف مكتوف اليدين، ولن ييأس، وفي الوقت نفسه قرر أيضاً ألا يعود إلى الوراء، مهما كانت الصعوبات، ولن يتنازل. في نهاية عام 1969، وبداية 1970، عُرضت على نور الشريف أفلام كثيرة تستدعي سفره إلى لبنان، وتستغل في الوقت نفسه تواضع أجره، مقارنة ببقية النجوم. لكنه كان كلما هم بالموافقة على أحدها، تذكر نصيحة الرئيس جمال عبد النصر له، والمسؤولية التي حمله إياها، عبر رجل رئاسة الجمهورية، وهي الحفاظ على نفسه كممثل ينتظره مستقبل كبير. بناء عليه، رفض كل ما عرض عليه من هذا النوع من الأعمال، وهي تعدّت الستة، لدرجة أنه أثار علامات استفهام لدى المنتجين والمخرجين، وكاد الأمر يصبح ظاهرة، وقبل أن يُشاع في الوسط الفني أن الممثل الجديد نور الشريف يرفض كل ما يعرض عليه من أعمال، اتصل به مدير الإنتاج محمد أبو الفتوح وحدّد معه موعداً للقاء الفنانة ماجدة الصباحي في مكتبها في صباح اليوم التالي، للاتفاق على فيلم جديد، ستؤدي هي بطولته، ويشاركها الشريف فيه. شعر الشريف بأن الفيلم لن يكون أفضل من تلك الأفلام التي سبق واعتذر عن عدم المشاركة فيها، ومن المؤكد أن ماجدة تريده في دور كتلك الأدوار التي سبق وشاهدته فيها، فلم يجد أمامه سوى الاعتذار لمدير الإنتاج بطريقة مهذبة، مؤكداً له أنه مرتبط بعمل آخر. لم تمض على اعتذار نور الشريف لمدير الإنتاج محمد أبو الفتوح ساعات، حتى فوجئ الممثل بالفنانة ماجدة الصباحي تتصل به هاتفياً، وتطلب لقاءه في مكتبها. عندهان لم يقو على الاعتذار، بل وافق فوراً، وكان في مكتبها في العاشرة من صباح اليوم التالي: = إيه يا أستاذ نور... أنت مش عايز تشتغل معايا ولا إيه؟ * لا يا فندم ده شرف عظيم ليا. أنا بس كنت مشغول في... = مشغول في إيه؟ أنا سألت وعرفت أنك مش مرتبط بأي عمل. قوللي بصراحة رافض ليه؟ * أصل بصراحة أنا محرج أقول لحضرتك أنه يعني... = يعني إيه الأجر. أنت هتاخد أجر بطل الفيلم. يعني أعلى أجر لأي نجم موجود في السوق وكان ممكن يعمل الفيلم ده. * لا والله مش قصدي. أنا أقصد أقول لحضرتك إن كل المخرجين شايفني من زاوية واحدة. اللي بيقولوا عليها زاوية «سد خانة» يعني كل الأدوار اللي عملتها من بعد «قصر الشوق» كان ممكن أي ممثل وجه جديد أو حتى كومبارس يعملها. = مش للدرجة دي يا نور. أنت أخدت فرص كويسة. صحيح مش على قد موهبتك. لكن كفاية أنه بدأت في السينما بطلاً.. وبعدين يا سيدي ما تحكمش على عمل وترفضه إلا لما تقراه، ومش بس تعرف دورك فيه إيه، لا مهم جداً كمان تعرف أهمية العمل كله... وكمان الرسالة اللي بيقدمها للمجتمع. * أيوا بالظبط... هي دي. أهمية الرسالة للمجتمع... زي ما قاللي... = مين اللي قالك؟ * قاللي... اللي قاللي. آه الأستاذ نجيب محفوظ قاللي كده برضه من بعد فيلم «قصر الشوق». = طب يا سيدي وأهو فيلمنا رسالة مهمة من رسايل الأستاذ نجيب محفوظ نفسه. فقدان الحلم طلبت ماجدة من نور الشريف أن يشاركها بطولة فيلم «السراب» المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه للكاتب نجيب محفوظ، كتب لها السيناريو والحوار علي الزرقاني، وتولى الإخراج أنور الشناوي. لم يصدق الشريف نفسه، فهو عثر أخيراً على العمل الذي يمكن أن يقدمه كممثل. لكن بقدر ما أسعده ذلك، أحزنه أنه اكتشف أنه كان «الممثل البديل»، لكن هذه المرة لم يكن «البديل الأرخص سعراً» من بقية النجوم. اكتشف نور الشريف أن العمل عرض على أكثر من سبعة نجوم على الساحة، لكنهم جميعاً رفضوه، ليس بسبب الأجر أو صعوبة العمل، لكن لأن البطل يظهر في معظم المشاهد «عاجزاً جنسياً»، ونجوم السينما لا يفضلون الظهور بهذه الصورة أمام «معجباتهن»، إذ لا بد من أن يكون النجم في نظر معجباته «فحلا» لا تستعصي عليه أية فتاة. جاءت أهمية الفيلم بالنسبة إلى نور الشريف في أنه أبرز موهبته الحقيقية، إذ غاص بقوة داخل الشخصية، واستطاع أن يقدّم صراعاتها وانفعالاتها النفسية الدقيقة، وجسدها ببراعة أكدت أنه ممثل من نوع خاص، والأهم أنه النجم المنتظر للسينما المصرية. انتهى تصوير الفيلم، وراح نور الشريف ينتظر عرضه، وهو في حالة من الخوف والقلق والترقب، لأكثر من سبب، ربما أهمها دقة الشخصية التي جسدها، والرسالة التي أرادها من الفيلم. فهل سيثير الدور النقاد عليه مجدداً، أم سيكون بداية جديدة معهم؟ أسئلة كثيرة أخرى كانت تثار في داخله، تأكد أنه لن يجد إجابة عنها إلا بعد عرض الفيلم. بينما هو على هذه الحالة، إذ به يصدم، كما صدم الشعب المصري، بل والشعوب العربية، بخبر أذاعه أنور السادات، نائب رئيس الجمهورية، في الإذاعة المصرية: «فقدت الجمهورية العربية المتحدة، وفقدت الأمة العربية، وفقدت الإنسانية كلها... رجلاً من أغنى الرجال، رجلاً من أغلى الرجال وأشجع الرجال وأخلص الرجال، هو الرئيس جمال عبدالناصر، الذي جاد بأنفاسه الأخيرة في الساعة السادسة والربع من مساء يوم 27 رجب عام 1390، الموافق 28 سبتمبر 1970، ليس هناك كلمات تكفي لعزاء جمال عبدالناصر». لم يصدق نور الخبر فطرق باب صلاح السعدني ليتيقن من الخبر، فقرأه على وجهه، حيث وجد صديقه يبكي. انهار الشريف ولم يتمالك نفسه، وجلس على الأرض أمام باب شقة صلاح السعدني، وراح يبكي بمرارة، فقد مات القائد، رحل من كان رمزاً للعزة والكرامة، توفي الأب والمعلم، والأمل الذي عاش الجميع ينتظرونه. «السراب» يحتلّ فيلم «السراب» مكانة متميزة في مسيرة نور الشريف الفنية، نظراً إلى أنه أخرجه من مرحلة التخبّط التي مرّ بها منذ انتهاء تصوير «قصر الشوق»، وبعد اعتذار عدد من النجوم عن الفيلم لأن الدور لشاب عاجز جنسياً. وبقدر حزن الممثل من هذه النظرة الضيقة في اختيار الأعمال، بقدر ما أسعده اعتذارهم جميعاً، ليذهب الدور إليه، فقد سبق أن قرأ رواية «السراب» بل ويحفظها تقريباً، ويعرف تماماً شخصية «كامل»، وما تحمله من أبعاد مهمة لتجسيدها على أكثر من مستوى، نفسياً وإنسانياً واجتماعياً. الشخصية مركبة تحتاج إلى جهد كبير من الممثل لتجسيد ذلك الشاب الذي دللته أمه كثيراً، من ثم حوّلته إلى إنسان بلا إرادة، غير قادر على التصرف، عاجز عن فعل أي أمر، حتى عن أن يكون زوجاً سوياً. أحب فتاة بإحساس المراهق، وطاردها حتى وافقت على الزواج منه، لتكتشف في ليلة الزفاف عدم اكتمال رجولته. لكن نعرف بعد مضي الوقت أنها مجرد حالة نفسية سببتها الظروف غير الطبيعية التي مرّ بها الشاب نتيجة لتربيته الخاطئة، ما جعله فريسة سهلة للمجتمع الذي لا يرحمه، سواء السيدة التي لا تزال تحتفظ ببقايا «فتاة ليل سابقة» أو الطبيب الذي يستغلّ ضعفه وعجزه، ويقيم علاقة مع زوجته. لكن كاملاً لا يستسلم، ويحاول أن يتخلّص من ضعفه، وشيئاً فشيئاً يسترد ثقته في نفسه وفي رجولته التي ظنّ أنها لن تعود، بعدما قرّر «الفصام» عن والدته. البقية في الحلقة المقبلة

مشاركة :