الكنافة البلدي.. غزل يدوي مصري يتحدى التكنولوجياتحظى الكنافة البلدي في موطن نشأتها بتسابق المصريين خلال شهر رمضان عبر وقوفهم في طوابير على محال صنعها يدويا لاقتنائها، مقارنة بنظيرتها الكنافة الشعر المصنوعة آليا التي لا تلقى قبولا.العرب [نُشر في 2017/06/09، العدد: 10658، ص(24)]الرقاب المشرئبة شاهدة على صنعة الأجداد الجيزة (مصر) - يكثر في مصر خلال شهر رمضان المتجمعون أمام شوادر صناعة “الكنافة البلدي”، وهي حلوى تاريخية يحافظ الكثيرون على صناعتها يدويا بمهارة فائقة، رغم انتشار عملية الإنتاج الآلي. يقف في قرية البراجيل بمحافظة الجيزة، على أطراف العاصمة المصرية القاهرة، الكنفاني هشام محمد (35 عاما)، وبيمينه وعاء معدني مثقوب من الأسفل، يمتلئ بعجين الكنافة، ويرسم بيده دوائر الخيط الأبيض على فرن سطحي مكشوف، ويتركها قليلا حتى تتحول إلى اللون الذهبي، قبل أن يمد أنامله ليجمع الكنافة اليدوية، ويكدسها جانبا، ويبدأ في صنع أخرى. ويسمى ذاك العجين الخيطي السميك نسبيا بالكنافة البلدي، وله محبوه، بخلاف ما ينتج آليا فوق أفران دائرية مشابهة، ويسمى محليا بـ”الكنافة الشعر”، نظرا لكون خيوطه أكثر دقة ونحافة تشبه الشعر. وقال محمد، الذي ورث صناعة الكنافة البلدي أبا عن جد “آتي بمعداتي لصنع الكنافة إلى هذه القرية خلال شهر رمضان من كل عام، وأبيعها إلى زبائني، الذين يعرفونني، وينتظرونني كل عام”. وأوضح أن صناعة الكنافة “تمر بثلاث مراحل قبل بيعها إلى الزبائن، حيث أبدأ بخلط الدقيق والنشا والسكر والماء الدافئ في إناء معدني كبير، وأستمر في خلطه حتى أتأكد من أنه أصبح مناسبا لصنع الكنافة”. وتابع “وفي المرحلة الثانية أملأ وعاء معدنيا مثقوبا من الأسفل بالعجين، ثم أوزع العجين على الفرن بشكل دائري، وأنتظر حوالي نصف دقيقة حتى تكتسب اللون الذهبي، ثم أرفعها من على الفرن”. وأضاف أما في المرحلة الثالثة والأخيرة “فأضع الكنافة على مكتب خشبي كبير، وأقلبها كل دقيقتين لتهويتها قبل بيعها إلى الزبائن، الذين يتسابقون على شرائها مني يوميا”. وشرح محمد أن الفرق بين الكنافة البلدي والكنافة الآلي يكمن في أن “الكنافة البلدي أفضل طعما لوجود السمن الطبيعي، أمّا الكنافة الشعر (الآلي) فكثرة محسنات الطعم، التي توضع بها، تفقدها طعمها الأصلي.. الكنافة البلدي لها زبائنها وعشاقها الذين لا تحلو موائدهم الرمضانية بدونها”. ويبيّن أنّ “أسعار الكنافة ارتفعت هذا العام 40 بالمئة عن المعتاد، حيث كان يُباع الكيلوغرام بـ10 جنيهات (نحو نصف دولار أميركي)، العام الماضي، أمّا حاليا فقد ارتفع سعر الكيلوغرام من الكنافة إلى 14 جنيهًا (ثلاثة أرباع دولار)؛ نظرًا لارتفاع أسعار الدقيق”. ووفق مؤرخين مصريين يعود تاريخ الكنافة في مصر إلى عصر الفاطميين، الذي امتد من عام (358 هجري/ 939 ميلادي) إلى (567 هجري/ 1172 ميلادي)، وقد شمل حكمهم مصر والمغرب وبلاد الشام. وبحسب روايات تاريخية فقد عرفت مصر الكنافة قبل بلاد الشام، مع دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمي (932 / 976 ميلادي)، إلى القاهرة، وهو أول خليفة لدولة الفاطميين في مصر، وكان وقتها شهر رمضان، حيث خرج الأهالي لاستقباله بعد الإفطار، وهم يتسارعون في تقديم هدايا إليه، ومن بينها كنافة، ومن بعدها انتقلت إلى الشام عبر التجار. وحاليا تصنع صينية الكنافة كتحلية في المنازل المصرية ومتاجر الحلويات، ويضاف إليها العسل والمكسرات أو القشدة، وغيرها، لمنحها قيمة غذائية أحسن، ولا يكاد يخلو منها بيت في شهر رمضان. ومن أشهر من كتب شعرا في الكنافة قديما هو الشاعر المصري، جمال الدين أبوالحسين يحيى بن عبدالعظيم الجزار المصري (601 / 679 هجري) قائلا “سقى الله أكناف الكنافة بالقطر… وجاد عليها سكرا دائم الدر”. وعبّر شاعر آخر مجهول الاسم عن نشوته بها فقال “تجود على كفي فاهتز فرحة… كما انتفض العصفور بلله القطر”. كما تفنن شعراء وكتاب آخرون في وصف الكنافة البلدي والتغزل بحلاوتها.
مشاركة :