خلال عشرة أيام تعرضت بريطانيا لعمليتين إرهابيتين مروِّعتين، في الأولى قام إرهابي «داعشي» اسمه سلمان رمضان العبيدي (22 سنة)، مولود في بريطانيا، لعائلة من العوائل الليبية التي آوتها مدينة مانشستر من ملاحقة نظام معمر القذافي، حسبما زعمت، حين تقدمت بطلبها اللجوء لبريطانيا، وكان متزنراً حزاماً ناسفاً، بتفجير نفسه يوم 22 مايو/أيار 2017 داخل قاعة مملوءة بالأطفال الذين حضروا الحفل الموسيقي الذي أحيته الفنانة الأمريكية الصبية أريانا غراندي (23 سنة)، فأزهق 23 من الأرواح البريئة، بينهم أطفال، وأصاب 119 بجراح بليغة، أغلبيتهم فقدوا أطرافاً من أجسادهم، كالأيدي والأرجل، بحسب تصريحات المستشفيات. وفي الثانية التي حدثت يوم السبت 3 يونيو/حزيران 2017 حيث قام ثلاثة إرهابيين يستقلون شاحنة صغيرة بيضاء بالصعود عمداً بسرعة على رصيف كان يعج بالمشاة الذين كانوا يهمون بعبور جسر لندن، وصدمت عدة أشخاص قبل أن تواصل طريقها نحو سوق بارا، حيث ترجَّلوا من سيارتهم وراحوا يطعنون من تصادف وجودهم في تلك اللحظة في المنطقة التي كانت تعج آنذاك بحشود المتسوقين الذين يقضون عادة يوم السبت خارج البيت. الهجوم الإرهابي أجبر الحزبين المتنافسين (حزب المحافظين وحزب العمال) في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي كان حزب المحافظين الحاكم قد دعا لإجرائها يوم الخميس 8 يونيو 2017 على أمل تعزيز أغلبيته البرلمانية، على تعليق حملتيهما الانتخابيتين لمدة يومين احتراماً للضحايا وعائلاتهم. لكن ما أن استأنف حزب العمال حملته حتى وجه زعيمه جيرمي كوربين هجوماً لاذعاً لتيريزا ماي زعيمة المحافظين، متهماً إياها بتسهيل مهمة الإرهابيين عندما كانت تحمل حقيبة وزارة الداخلية، حيث قامت بتسريح 20 ألف شرطي من الخدمة. فيما اتهمتها بعض الواجهات الإعلامية والسياسية بالنفاق السياسي، وسخرت من كلماتها البلاغية «كفى يعني كفى»، معتبرة إياها مجرد فرقعات ألقيت كطعم ليتلقفه الناخبون، ومحاولة لطمس حقيقة دورها في تشجيع وغض الطرف عن أنشطة الإرهابيين في بريطانيا، بما في ذلك عدم ممانعتها في التحاق الآلاف منهم بالجماعات الإرهابية في ليبيا وسوريا والعراق.وللتدليل على التعاطي غير الجدي مع التهديدات الخطرة والداهمة للإرهاب والإرهابيين الذين صار وجودهم المادي محسوساً في كل موقع ومنحى من مناحي الحياة البريطانية، يورد أولئك النقاد عدداً من الأمثلة، منها ما نقلته تقارير صحفية تحدثت قبل أيام من جريمة لندن الإرهابية، من أن سلمان العبيدي، الإرهابي الذي نفّذ هجوم مانشستر الإرهابي، كان سافر بتسهيلات بريطانية ضمن مئات الإسلاميين الليبيين الذين نقلوا إلى ليبيا لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي، وانه كان مجنداً في المخابرات البريطانية، أو أن الأخيرة كانت تعلم بتحركاته بالحد الأدنى، كما أن والد الإرهابي، وخلال مقابلة أجرتها معه «بي.بي.سي» العربية بُعيد جريمة ابنه الإرهابية، ربما على أمل إبعاد الشكوك عنه، فإذا بإجاباته تفضح ميوله «الداعشية». إضافة إلى امتناع السلطات البريطانية عن نشر تقرير رسمي عن مصادر تمويل الإرهابيين خوفاً من تأثير معطياته سلباً في مزاج الناخبين تجاه حزب المحافظين في الانتخابات العامة التي أُجريت في الثامن من يونيو الجاري والتي خسر فيها المحافظون أغلبيتهم البرلمانية.المثير أن أحد الإرهابيين الثلاثة الذين نفذوا هجوم لندن، وهو الباكستاني خورام بات، كان معروفاً لدى الشرطة ولدى المخابرات البريطانية الداخلية (Mi5) على حد سواء، كما تم توظيفه في إحدى محطات مترو الأنفاق القريبة من مبنى البرلمان، رغم سجله الأمني الخطر، بل وتمت استضافته تلفزيونياً في أحد البرامج الوثائقية لمناقشة موضوع الجهاديين البريطانيين (صحيفة ميرور البريطانية، 7 يونيو 2017). كما أن الإرهابي الثالث يوسف زغبا هو الآخر كان معروفاً لدى المخابرات، حيث كانت شرطة متروبوليتان لمنطقة لندن الكبرى أوقفته في العام الماضي على خلفية محاولته الذهاب للقتال في سوريا عن طريق تركيا.فهل نحن بصدد ما تسمى الذئاب المنفردة، أم بصدد ما يمكن تسميته «اللعب مع الذئاب»؟د. محمد الصيادalsayyadm@yahoo.com
مشاركة :