قرأت بمتعة وتأثر رواية (ساق البامبو) للمؤلف الكويتي الشاب سعود السنعوسي الفائزة بجائزة البوكر العربية لعام 2013، والتي شدتني بسلاسة أسلوبها وعفوية سردها وإيحائية عنوانها، وكنت قد تحمست لقراءتها بتشجيع من صديقة، ولعل أهم من كل ما ذكرت المعالجة الروائية الذكية لموضوعات الانتماء، الطبقية، العنصرية، الخرافة، الخواء الثقافي في مجتمعنا الخليجي. تحكي الرواية قصة حياة غير مستقرة لشاب (عيسى أو هوزيه) ولد من أب كويتي وأم فليبينية (كانت تعمل خادمة) ارتبطا بعلاقة حب ثم بزواج عرفي واجه رفضا شديدا من عائلة الأب، ما اضطر الأب (راشد) لإرسال الأم ومعها الطفل إلى بلدها، ثم تطليقها بعد ذلك مع وعد بأنه لن يتخلى عن ابنه وسيستعيده في يوم ما، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، يقع راشد بالأسر بعد احتلال العراق للكويت، ثم يموت، وينفذ صديقه غسان وصيته بإحضار عيسى عند بلوغه الثامنة عشرة إلى الكويت ولكن أسرة والده لا تقبله، ويواجه صعوبات وخيبات كثيرة تجبره على العودة إلى وطن أمه، بعد أن اكتشف أنه يملك في بلد أبيه كل شيء إلا العائلة، بينما لا يملك في بلاد أمه شيئا سوى العائلة، ترك الكويت بعد أن كتب رسالة يقول فيها ".. خذوا هذه الأوراق وأعيدوا لي نصف إنسانيتي، أو خذوا ما تبقى منها لدي". نجح المؤلف في تصوير شخصية (عيسى) بكل ما فيها من إنسانية ونقاء وحيرة بسبب تجربة الغربة والتيه بين أكثر من اسم، ووطن، ودين. ومن خلال تساؤلات البطل وما يفكر به ويجري على لسانه لامس بهدوء وتوازن الواقع الاجتماعي الخليجي بما فيه من سلبيات، وكشف عن إشكاليات كثيرة، عن مؤسسة العادات والتقاليد التي تصنف المجتمع إلى طبقات ودرجات، وانشغال الناس بتلك التصنيفات حيث "كل طبقة اجتماعية تبحث عن طبقة أدنى تمتطيها وإن اضطرت لخلقها، تعلو فوق أكتافها، تحتقرها وتتخفف بواسطتها من الضغط الذي تسببه الطبقة الأعلى.."، عن افتقاد الشعور بالاستقلالية وعجز الإنسان عن تسيير حياته وفق قناعاته في مجتمع ضاغط لا يؤمن بالاختلاف، واضطراره لمجاراة الآخرين حتى على الخطأ ليكسب قبولهم لأن" كلام الناس سلطة "، عن العطاء الذي يمنح بلا حب ".. ما لي لا أسعد بهدايا عائلتي الكويتية كسعادة خالي بيدرو بقداحة السجائر التي لا تتعدى قيمتها مئة فلس، وهو القادر على شراء المئات منها ؟ هو الحب الذي يجعل للأشياء قيمة "، عن تناقضات المجتمع وتعقيداته ونفاقه حين يتساءل "من أين لي أن أقترب من الوطن وهو يملك وجوها عدة .. كلما اقتربت من أحدها أشاح بنظره بعيدا "، عن ظروف العمل القاسية التي يعانيها الخدم "حيث ساعات العمل مرتبطة بحاجات أفراد الأسرة، في أي وقت يحتاج أحدهم شيئاً لا بد أن يكون الخادم على أهبة الاستعداد! ". رواية مميزة تعكس شخصية كاتبها الحساسة، غير الراضية عن واقعها ومحيطها، المحبطة من سلبياته، والمتطلعة إلى إعلاء قيم الحب والعدالة والمساواة في مجتمع يرفع الشعارات عاليا، ولكنه على أرض الواقع لا يطبقها. فله مني كل التقدير.
مشاركة :