ثارت ثائرة الهند بسبب ما اعتبرته إهانة لنائبة القنصل الهندي في الولايات المتحدة الأمريكية، وأطلقت حملة إعلامية ضد الحكومة الأمريكية واتخذت إجراءات ضد الدبلوماسيين الأمريكيين بإلغاء عدد من الامتيازات المخصصة لهم، كما أمرت بأعمال انتقامية معبرة عن استيائها من أسلوب التعامل مع النائبة! ومع أن السلطات الأمريكية اعتبرت ما فعلته إجراء روتينياً متبعاً في حالة مخالفة القوانين، واعتقال النائبة كان مبنياً على أسس صحيحة، إلا أنها قدمت اعتذارها لاحقاً تفادياً لأزمة دبلوماسية بين البلدين. وكانت النائبة قد اعتقلت وكبلت يداها بتهمة الغش في أوراق متعلقة بخادمتها، وحسب ما أوردته الصحف منذ فترة فإن النائبة قامت بتقديم أوراق مزورة للحصول على تأشيرة عمل لخادمتها التي كانت تدفع لها راتباً أقل بكثير من الحد الأدنى القانوني للأجر، وتشغلها أكثر من أربعين ساعة في الأسبوع مما يعد جريمة في الولايات المتحدة، وعند التحقيق أجبرت خادمتها على الكذب وادعاء أنها تتقاضى راتباً أعلى. وقد تناولت صحف أمريكية القضية وردود الأفعال والآراء حولها في الهند والولايات المتحدة، ولفت نظري وأنا أطالع كثيراً من تلك الآراء والتعليقات موضوعية أصحابها من الهنود حيث لم يروا فيما أقدمت عليه الحكومة الأمريكية أي خطأ لأنها برأيهم سبق أن تصرفت بالطريقة نفسها تجاه العديد من المسؤولين الأجانب الذين كسروا القوانين، واعتبروا أن بلادهم بالغت في رد الفعل وكان عليها أن تخجل من سلوك النائبة التي لم تلتزم بقوانين البلاد التي تعمل بها وتحسن تمثيل بلدها، وتساءل بعضهم عما إذا كانت حكومتهم اهتمت بشأن الخادمة المسكينة من حيث وضعها الصحي والمادي والنفسي أم أن الضعفاء لا يعبأ بهم أحد؟ وعما إذا كانت دولتهم تتوقع أن تغض السلطات الأمريكية الطرف عن مثل هذه التجاوزات؟ واستنكر كثير منهم عدم توجيه اللوم إلى المخطئ الحقيقي، بل إن هناك من طالب باستقالة النائبة وإعادتها إلى الهند لتمثل أمام المحكمة! أعجبني في تلك التعليقات والتغريدات اللمسات الإنسانية والتعاطف الكبير الذي أبدي تجاه موضوع الخادمة المستغلة والتي انطلق منه المعلقون ليشجبوا كل المواقف التي يُدعم فيها الأقوياء على حساب الضعفاء، وليهاجموا الاستغلال والغش وشيوع ما يعرف بثقافة (كبار الشخصيات) التي تسود مجتمعهم ومجتمعات اللاقانون. كم هو جميل أن يسمع الإنسان وسط الهرج والمرج، والانفعالات والاحتجاجات مثل هذه الأصوات المتعقلة التي تميز الحق من الباطل، والصح من الخطأ، وتعطي الأمور حجمها الطبيعي، ولقد ذكرني هذا المشهد بحادثة مشابهة عندما قبض في أحد مطارات المملكة منذ ما يقارب عامين على شخص بحوزته مواد محظورة، وقامت الدنيا ولم تقعد في بلده، وانصبت حمم الغضب على المملكة وشعبها بغوغائية منقطعة النظير، وكنا نتمنى لو نسمع شيئاً من تلك الأقوال والآراء الحكيمة وقت الأزمة، إنها دائما مشكلة الغضب الأرعن الذي يتجاوز صوت العقل!
مشاركة :