غُرْبة المثقف | د. زيد علي الفضيل

  • 8/12/2013
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

ما أصعب أن يشعر الإنسان بإحساس الغربة في محيطه وبيئته الاجتماعية والثقافية، إنه إحساس كئيب وقاتل يسومك زؤامه الثقيل إلى الموت البطيء، إذ ما الفائدة من حياة أنت لست موجوداً فيها ولا أحد يراك. إنها الحقيقة التي لا يدرك معناها ولا يتلوى بلظاها سوى معاشر المثقفين الصادقين والعلماء الربانيين، أولئك الذين تصوروا بأن جهدهم العلمي واهتمامهم بالوصول إلى لبّ المعرفة لن يذهب سُدى، واعتقدوا أن ما اكتنزوه من علم جراء ثنيهم للركب في حضرة مشايخهم، وتبتلهم في أروقة المكتبات، يتنقلون بين كتبها بدبيب كأنهم نحل يهيم طربا بين رحيق الأزهار والثمر اليانع، سيكون له تقديره الكامل في محيط مجتمعهم بل وبين أهليهم وأبنائهم. لكن صدمتهم تكون كبيرة حين يُفيقون على واقع مرير، ويُدركون أن محيطهم الاجتماعي لا يأبه لهم، ولا يفهم قيمة ما يحملونه من وعي معرفي، وتلك والله هي مصيبة الدول المتخلفة، التي يركن إنسانها إلى الزبد جهلاً وظلماً، حتى إذا أفاق ورأى واقعه المرير، تساءل بحمق: وكيف حدث ذلك؟ والعجيب أن تاريخنا حافل بالعديد من نماذج الإحباط المؤدي إلى حالة متقدمة من الكآبة، تلك التي كانت وراء حرق الأديب البارع واللغوي المتقن أبو حيان التوحيدي دُرره المعرفية كمداً وحسرة، حتى لم يبق من تراثه العلمي سوى النزر اليسير مما احتفظ به البعض، والسؤال: هل كان أبو حيان وحيداً في إحساسه وفعله؟ أم أن الأمر متكرر في كل وقت وحين؟ أؤمن بأن الغرباء كثر في وقتنا الحاضر، وأؤمن أن كثيرا منهم بات يشعر بحالة من الانهزامية والاكتئاب أمام طغيان ثقافة الزبد في محيطنا الاجتماعي، لاسيما وأن ليس بمقدورهم تسويق أنفسهم وإعلاء الصوت بما يعلمون، فالمعرفة مقدسة في نظرهم، والقول بها يحتاج إلى تدبر وتفكر، والعلم لا يجب ابتذاله عند كل أحد وفي كل مكان، ذلك بعض أدبيات المعرفة الصادقة التي يجهلها مُدَّعو الثقافة وزبد المعرفة، ممن تراهم وقد اهتموا بتزيين أنفسهم بأفخم الملابس، وتسابقوا للجلوس في الصدارة لحظة حضور الإعلام ومسؤوليه، حتى إذا انقضى الأمر تسللوا غير آبهين بما يُقدم من معرفة وعلم. بقي أن أشير إلى أن أحدهم قال لي مرة بصوت متهدج: أتعلم أن أكثر مكان أشعر فيه بغربة قاتلة، حين أكون بين أهلي وعشيرتي، فهم لا يعلمون بحالي وبما أكتب، بل إن عديداً منهم لا يعرف أني كاتب أساساً؛ لم أدر ما أجيبه به، فالحال واحد، غير أني لهجت بقول الشاعر يحيى توفيق: إنَّ الغريبَ غريب الروح في وطن ،، يلقى الهموم بقلب حائر عانِ. وكل عام وأنتم بخير. zash113@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (51) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :