الرسام الحقيقي هو من يضع عاطفته على المقصلة لينصت إلى كلمتها الأخيرة، من غير ذلك المشهد المتوتر فإن الرسم لن يؤدي إلا دور حامل الأطعمة الجاهزة، وهي مهمة لا تحتاج إلى شيء من الذكاء.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/06/19، العدد: 10668، ص(16)] ما من عاطفة تُرسم، ولكن ما من شيء يُرسم كالعاطفة، ليس هناك من تناقض، العاطفة حين توصف تتحول إلى نوع من السجال التجريدي، غالبا ما يميل إلى الغموض. رسم شيء غامض يكون أكثر يسرا من مواجهة وضوح ذلك الشيء، لذلك كان مودلياني مسليا بالرغم من الألم الذي أظهره وهو يرسم فاتناته الرشيقات، لقد خان النمساوي إيغون شيلا سلالته حين لجأ إلى وصف العاطفة التي تمتلئ بها أعصابه، وهو يرسم الصبيات اللواتي اختارهن القدر ليلعبن دورا مصيريا في حياته القصيرة. لم تكن عاطفته أكبر من الرسم مثلما حدث للنمساوي الآخر غوستاف كليمت صاحب القبلة الشهيرة، كليمت كان عاطفيا أما شيلا فقد كان شهوانيا. سيكون علينا أن نضع مودلياني بين الإثنين باعتباره مريضا، بين أن تُرى أو أن تكون شيئا خفيا تقيم العاطفة في خفق أجنحتها، في أحيان كثيرة تضعف العاطفة العمل الفني، لأنها تجعله يسيل أكثر مما يجب أو أكثر مما يحتاجه المتلقي. لذلك يفضل الكثيرون عدم الجهر بالعاطفة خشية أن تكون تلك العاطفة مصدر ابتذال، غالبا ما تنطوي الرسوم العاطفية على قدر من التزلف الذي يحضر عن طريق الزخرف الأبله، وهو الوضع الذي انتهى إليه الكثير من الرسامين العرب الذين حاولوا أن تكون رسومهم خفيفة مثلما هي عاطفتهم. لقد تحول أولئك الرسامون إلى سائقي دراجات في سباق لقطف زهور وهمية، ليست العاطفة في الرسم إلا فخا، هي في الحياة كذلك، كل الروايات العاطفية هي أعمال أدبية رخيصة ومبتذلة. الرسم يمكنه أن يكون أكثر ابتذالا إن انجر الرسامون وراء عاطفتهم التي هي في الحقيقة عاطفة جمهورهم، يتطلب الرسم استفزاز العاطفة المتاحة لا الخضوع لشروطها. الرسام الحقيقي هو من يضع عاطفته على المقصلة لينصت إلى كلمتها الأخيرة، من غير ذلك المشهد المتوتر فإن الرسم لن يؤدي إلا دور حامل الأطعمة الجاهزة، وهي مهمة لا تحتاج إلى شيء من الذكاء. كاتب عراقيفاروق يوسف
مشاركة :