--> كرة القدم .. قصة بدأت بالمُتعة للبشر .. تحولت بسرعة الصاروخ في هذا العالم المجنون لصناعة تجارية مربحة بالمليارات.. وأصبح نجومها الأشهر والأغنى في العالم.. فكلّ الناس يعرفون ميسي، لكنهم لا يعرفون رئيس الأرجنتين.. وكل البشر يعرفون كريستيانو رونالدو، لكنهم لا يعرفون رئيس البرتغال. رغم إعلان قادة العالم عن حضورهم مباريات المونديال، إلا أنهم لن يستطيعوا خطف أنظار الجماهير من نجوم الملاعب أمثال ميسي وكاسياس واوزيل وبنزيمة ونيمار. فمكانة هؤلاء النجوم لدى الجماهير أهم بكثير من هؤلاء الساسة، في الأوقات العادية فما بالك وهم يمثلون منتخبات بلادهم في أكبر وأهم تظاهرة كروية في العالم. كرة القدم خلبت ألباب الساسة اليوم مع افتتاح كأس العالم، وجعلتهم يتركون السياسة بكل الاعيبها، ويتحولون الى الملاعب لاستغلال نجومية اللاعبين لعل وعسى تحقيق مكاسب سياسية. ويأتي في مقدمة هؤلاء رئيسة البرازيل ديلما روسيف التي تتطلع لتتويج السامبا بكأس العالم، لتتمكن من الفوز في انتخابات الرئاسة التي تجرى في أكتوبر المقبل، فلم تجد أفضل من كأس العالم لعمل الدعاية الانتخابية التي تضمن لها النجاح. البرازيل تريد تحقيق اللقب للتخلص من شبح الاضرابات والتظاهرات التي تخيم على بلاد السامبا بسبب كلفة بناء الاستادات. وكذلك اليونان تتطلع لنتائج مبهرة لإخراج شعبها من تحت وطأة الأزمة الاقتصادية الحالكة، ولو لأيام. وكذلك حال الماتادور، الذي يريد الاحتفاظ باللقب من أجل انعاش الاقتصاد الاسباني. كرة القدم التي رفعت فقراء لا يجدون قوت يومهم لأثرياء يتلاعبون بالملايين.. وأوقعت أغنياء في بئر الفقر المظلم.. وأبكت رؤساء دول لم تهزّهم الحروب.. وكانوا عظماء وشرسين انتصروا في حروب عالمية كبرى، لكن عندما تخسر منتخبات بلادهم في كرة القدم.. يذرفون الدمع أمام الجميع دونما خجل. كرة القدم لا تعترف بصديق أو عدو.. كلاهما في أجندتها صنف واحد.. تصبح صديقة وعدوًا في آنٍ واحد.. تفرح وتبكي.. لديها آلية تتحكم في قلوب ملايين البشر.. رغم أنها جماد يركلها مَن يشاء، لكنها تضحك في نهاية المطاف.. لمن يعشقها بجنون. كرة القدم معشوقة في الأحياء والقرى والمدن والدول.. متوغِّلة في قلوب الفقراء والأغنياء.. يُحبها الأبيض والأسود والصغير والكبير والمثقف والجاهل.. ويصرف من أجلها مليارات الدولارات.. التي لو وزِّعت على مجاعة العالم لأغلق هذا الملف العالق من أساسه. كرة القدم .. تزهو كفتاة ساحرة سرقت عقول وقلوب الكبار والصغار .. الرجال والنساء .. تجوب المدن والقرى .. وكل بلدان العالم .. فاتنة يسيل لها اللعاب .. تعشق من يعشقها .. لا ترضى بحب أبدي .. هوايتها أن تسرح وتمرح .. لكل من حاول أن يعطيها حقها بالتمام والكامل.. تذوب في من يركلها بإتقان. كرة القدم دخلت حياة البشر والشعوب.. وأصبحت لغة سلام.. وأحيانًا لغة حروب.. وأصبحت أيضًا في أجندة البعض أهم من المال والجاه.. تؤثر في البشر دون أن تتأثر.. لا تملك إحساسًا ولا مشاعر. فقد ترمي بالمجتهد والفنان في قاعة الأحزان .. وتزجّ بالمُترهِّل داخل بيتها العامر في المستطيل الأخضر بعامل الحظ أو ظلم الصافرة في نشوة الأفراح. الكرة أصبح لها إحساس وذوق وفن ومتعة.. لم تعُد جامدًا، بل هي عالم مؤثر في المال والاقتصاد والاجتماع.. أليس كذلك ..؟! مقالات سابقة: عيسى الجوكم القراءات: 11
مشاركة :