في جلسة عائلية كنا نتحدث عن عالم الجنون الذي نعيشه، فالأخبار والأحداث الجنونية تصلنا كل يوم عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ونحن في حالة ذهول وعجز أمامها، حتى موجات التحول المتسارعة في كل نواحي الحياة تجهدنا وتجعل كثيرا منا في حيرة حول فهمها وكيفية التعامل معها، والمحزن أن هناك في عالمنا الفوضوي من لا يتوقف ويتأمل فيما يجري، بل يتقبل ويعطي المبررات لذلك أحيانا، وكأن ما يحدث للبشرية هو مرض يصيب العقول والنفوس ينتشر في كل المجتمعات ومنها مجتمعاتنا، مرض أعراضه تظهر بمئات الطرق والصور، وما العنف والإجرام والتوحش الذي نشهده إلا الصورة الأقبح والأخطر لهذا المرض حيث تتجلى أبشع مظاهر الكراهية والحقد والأنانية . نحن نعيش حالة من الفوضى والتطرف والجنون في كل شيء: - فوضى في التربية تضرب المجتمع، وكثير من الأسر لا تقوم بمسؤوليتها، حتى أصبح الكبير ينقاد للصغير. - تطرف في الإنفاق بدون تمييز بين مانحتاجه وبين مانريده، لأن المادية والتمركز حول الذات وشهواتها أصبح الشغل الشاغل للناس، فالغالبية تجري وراء التسلية وإرضاء الذات، سواء في ملاحقة كل تطور لوسائل التكنولوجيا والانصياع لها، أو في الهوس بالطعام وأنواعه فلا حديث في المجالس بين الناس يخلو من سيرة الطعام، وكأن الطعام أصبح الطريقة الوحيدة لمكافأة النفس وإسعادها. - تطرف في البحث عن الربح المادي والجشع على حساب المبادئ والقيم، وما قضايا الفساد التي نسمعها في كل مجال ، وبرامج العهر والانحطاط الإعلامي في بعض قنواتنا الفضائية إلا صور من ذلك المرض، وحتى لو كانت المجتمعات الغربية تعيش حالة من الجنون أيضا فهي من ناحية أخرى مجتمعات وبيئات منتجة للأفكار والإبداع والحلول، تعرف كيف تركز على مصالحها، وتتعامل مع مشكلاتها. - جنون في قيادة السيارة، وتجاوز قوانين المرور وحقوق الآخرين بكل استهتار، فلا أحد يعبأ بأحد وليس ذلك فقط، فنحن نرى العجب منذ أن نخرج من منازلنا إلى الشوارع. - جنون الموضة وكأن الأناقة والجمال لا يكونان إلا بلبس الماركات العالمية، وتقليد كل ما يصلنا من تقليعات المناسب منها وغير المناسب في الفن والمظهر والسلوك. - حالة الفوضى التي نعيشها تجتاح الكبار والصغار، حتى الأطفال يصرخون في كل مكان، في البيوت في السيارات في الطائرات في المطاعم و الأسواق، يصرخون إذا أرادوا شيئا، ويصرخون إذا رفضوا شيئا، هل صراخهم يعبر عن غضبهم لأن احتياجاتهم لا تُلبى ويريدون إثبات أنفسهم؟ ربما، فالصراخ المرتفع مظهر من مظاهر ضعف التواصل معهم لأنهم لم يتعلموا كيف يعبرون عن مطالبهم بالطريقة الصحيحة. يقال إن «كل التغييرات العظيمة في الحياة تسبقها فوضى» هذا صحيح، ولكن ليس دون أن نثق بأنفسنا، ونعيد النظر في أحوالنا بعين ثاقبة، وقلب بصير، وعقل حذر متفتح.
مشاركة :