المسلسلات المصرية تخلط آلام المرض بالبهجة في رمضان بقلم: نجوى درديري

  • 6/22/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

دراما إنسانية برسائل توعوية للمريض والمجتمع، وتجسيد شخصية المريض يحتاج إلى حرفية عالية حتى يتقبلها المشاهد ولا ينفر منها.العرب نجوى درديري [نُشر في 2017/06/22، العدد: 10671، ص(16)]حلاوة الدنيا دراما صعبة ومعقدة القاهرة – وجهت الدراما المصرية أنظارها في الفترة الأخيرة إلى تناول الشخصيات التي تعاني من الأمراض، وأبدت اهتماما واضحا بذوي الاحتياجات الخاصة ومرضى الإيدز وأخيرا السرطان، وظهر ذلك في رمضان الجاري من خلال مسلسل “حلاوة الدنيا”، بطولة هند صبري وظافر العابدين، والذي يُعرض حاليا على عدد من القنوات الفضائية. ويتناول المسلسل الذي كتبته مجموعة من الشباب تحت إشراف السيناريست تامر حبيب وأخرجه حسين المنباوي، قصة فتاة مريضة بسرطان الدم تكتشف إصابتها بهذا المرض القاسي أثناء إجراء تحاليل معملية قبل زواجها، ثم تتوالى الأحداث والصراعات بين علم الفتاة بالمرض واتجاهها للمستشفى وخضوعها للعلاج الكيمياوي الذي يؤدي إلى سقوط شعرها، وعلم أهلها وخوفهم عليها، وتميزت الحلقات ببراعة السيناريو والإخراج في تناول القضية المؤلمة جسديا ونفسيا بشكل درامي تختلط فيه البهجة بالحزن. ويبدو أن الفنانة هند صبري استهوتها تلك الأعمال التي تجسد فيها شخصية البطلة المريضة بمرض خطير ومميت والموصومة اجتماعيا، وكانت لها تجربة ناجحة من خلال فيلم "أسماء" الذي تم عرضه في عام 2011، مع المخرج عمرو سلامة، وكان مأخوذا عن قصة حقيقية لفتاة مصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، وجسدت هند معاناة الفتاة من المجتمع ورفضه لها بشكل احترافي أشاد به النقاد وقتها. وقبل بدء شهر رمضان عرضت حلقات مسلسل "ليلة"، بطولة رانيا يوسف ومكسيم خليل، وتدور أحداثه في قالب اجتماعي رومانسي، وحرص المؤلف هاني كمال على تسليط الضوء على ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال شقيقة البطلة التي أبرز معاناتها ومعاناة أسرتها معها، وكشف عورة المجتمع المصري في عدم الاهتمام بهذه الفئة من البشر الذين يعانون في صمت ولا يهتم بهم أحد، وفي الكثير من الأحيان يكونون حملا ثقيلا على الجميع.الاهتمام بمرضى الأمراض النفسية من خلال أعمال مثل "سقوط حُر" لنيللي كريم، و"فوق مستوى الشبهات" ليسرا، و"الخانكة" لغادة عبدالرازق اعتبره النقاد وجبة كئيبة دسمة على المشاهد وقبل الاهتمام الدرامي الأخير بثيمة المرض والمرضى، تناولت السينما بإطناب هذا الموضوع، حيث لن تنسى ذاكرة السينما فيلم “قنديل أم هاشم” الذي تم إنتاجه عام 1968 عن رواية للكاتب الراحل يحيى حقي وبطولة شكري سرحان وسميرة أحمد، وتناول قصة شاب بسيط من حي السيدة زينب بالقاهرة سافر إلى ألمانيا لدراسة الطب وتخصص في أمراض العيون، ولما عاد افتتح عيادة بنفس الحي الفقير فاكتشف أن الناس يعانون من أمراض بأعينهم بسبب قطرة يأخذونها من زيت قنديل مسجد السيدة زينب، وكانت من بينهم خطيبته، فكان رد فعله تحطيم هذا القنديل كرسالة من الفيلم مفادها ضرورة تحطيم الجهل والاتجاه إلى الطب والعلم. ورغم قسوة الخط الدرامي في الفيلم، إلا أنه عرض الفكرة بشكل غير مؤذ للمشاهد من الناحية النفسية. السينما والمرض في الستينات من القرن الماضي تناول الأديب المصري نجيب محفوظ مرض السُّل في روايته الشهيرة “خان الخليلي”، ثم أخرجها فيلما عاطف سالم، قام ببطولته شكري سرحان وحسن يوسف، وجسد الأخير شخصية شاب مريض بهذا المرض الصدري القاسي، وقضّى على فراش المرض جزءا كبيرا من مشاهد الفيلم وهو يعاني متألما بمصداقية عالية. وحرص القائمون على صناعة الفيلم على عرضه بشكل درامي إنساني اجتماعي، وأبرزوا من خلاله العلاقات الإنسانية الرائعة بين الأهل والجيران، وأصرت حبيبة البطل على زيارته وهو مريض، رغم علمها بأن مرضه معد، ومن أجمل الجمل المقتبسة من الرواية “بلغ منه الألم حدا تمنى لو كانت الجراحة تستطيع بتر الفاسد من النفس كما تبتر الفاسد من الأعضاء”، ورغم أن الرواية كانت توثق لأحداث سياسية وتاريخية في حقبة الأربعينات من القرن الماضي، أولى محفوظ مَشاهدَ المرض اهتماما كبيرا. وأكد الناقد طارق الشناوي لـ”العرب” أن السينما المصرية والأعمال التلفزيونية اهتمتا منذ زمن بعيد بقضايا المرضى وسلطتا عليهم الضوء، لكنهما كانتا تتناولانهم في الكثير من الأحيان على هامش الأحداث، وفي الفترة الأخيرة بات صناع الدراما أكثر التحاما بما يعانيه المجتمع من مشكلات، وتحديدا الصحية، وعرض ما يحتاجه المرضى والمعاناة التي يواجهونها. وأضاف أنه أمر جيد أن تكون البطلة هي المريضة وكل أحداث العمل الدرامي تدور حولها وتنبثق من معاناتها، مشيرا إلى أن مسلسل “حلاوة الدنيا” ليس هو الأول من نوعه الذي يتناول مرض السرطان، لكن في الأعمال السابقة كان المريض به شخصية ثانوية أو بعيدة عن الأحداث المحورية للعمل.طارق الشناوي: الدراما باتت أكثر التحاما بما يعانيه المجتمع من مشكلات صحية الشناوي ألقى الضوء على مسلسل "فرح ليلى" للفنانة ليلى علوي، والذي عُرض في رمضان عام 2013، وجسدت فيه الممثلة المصرية شخصية فتاة كانت عازفة عن الزواج بسبب إصابتها بسرطان الثدي، واهتمت بعض المشاهد بتعريف المرأة بكيفية فحص نفسها، وتفاصيل المرض البسيطة، إلا أن المرض لم يكن المحور الأساسي في أحداث العمل الذي كانت تدور أحداثه في قالب اجتماعي رومانسي. الألم المبهج تجسيد شخصية المريض من خلال الأعمال الدرامية يعد أمرا شائكا وخطيرا ويحتاج من القائمين على صناعة العمل، سواء التأليف أو الإخراج، حنكة في تناول الأحداث بشكل جيد وإيجابي حتى يتقبلها المشاهد ولا ينفر منها، وأن تكون لديهم القدرة على طرح الألم وفي الوقت ذاته تخفيفه بمشاهد مبهجة ومرحة، وهو ما نجح فيه مسلسل "حلاوة الدنيا". وسيطرت على الأعمال الدرامية في الأعوام الماضية، وخصوصا في رمضان عام 2016، الصبغة النفسية والاهتمام بمرضى الأمراض النفسية من خلال أعمال كثيرة، مثل “سقوط حُر” لنيللي كريم، و”فوق مستوى الشبهات” ليسرا، و”الخانكة” لغادة عبدالرازق، وهو ما لفت الانتباه بشكل كبير واعتبره النقاد وجبة كئيبة دسمة على المشاهد. وقال جمال فرويز استشاري الطب النفسي، لـ”العرب”، إن عرض الأعمال الدرامية للأمراض عموما له شقان أحدهما سلبي وآخر إيجابي، فأما السلبي فهو إعطاء انطباعات سيئة يتأثر بها الأشخاص الذين يعانون من مرض التوهم (مرض نفسي يتوهم صاحبه أنه أصيب بالمرض بمجرد مشاهدته لعمل درامي، أو قراءته بعض التفاصيل عن المرض عبر الإنترنت، أو من خلال كتاب). ولفت إلى أن الشق الإيجابي هو تعريف المشاهد بالمرض وأسبابه وأعراضه وكيفية الوقاية منه، وأضاف أن فائدة تناول الأعمال الدرامية للشخصيات المريضة، خصوصا بمرض عضال قد يؤدي إلى الوفاة ونسبة الشفاء منه ليست كبيرة، تتمثل في الرفع من معنويات المرضى في الحقيقة، حيث يشعرون بأنهم ليسوا وحدهم في هذا العالم المصابين بهذا المرض، وأن هناك من يشعر بهم ويعبر عنهم، فيكون الأمر بمثابة من يربت على أكتافهم.مريضات السرطان حينما شاهدوا أولى حلقات مسلسل "حلاوة الدنيا"، وعبروا عن غضبهن لتشابه قصة المسلسل مع قصصهن وأشار إلى نقطة أخرى هامة تسلط عليها الأعمال الدرامية الضوء، وهي فكرة العلاج الجمعي من خلال الحلقة أو الدائرة التي يجتمع فيها المرضى ويحكون عن قصصهم مع المرض، وذلك أمر مفيد للغاية في العلاج وسماع أكثر من قصة. تناول الأعمال الدرامية للأمراض يلفت انتباه المشاهدين لها من خلال عرض قصص حقيقية لأناس يعانون بالفعل وتتجسد حياتهم عبر الشاشة، وقد يكون ذلك بالاتفاق معهم وبالاستماع من قبل المؤلف لآلام الشخصية في الحقيقة وكتابة معاناتها على الورق، وهنا يختلط الأمر على المرضى فيشعرون عند مشاهدة العمل بأنهم خُدعوا وتم اختراق خصوصيتهم الطبية، وحدث ذلك مع مريضات السرطان حينما شاهدوا أولى حلقات مسلسل “حلاوة الدنيا”، وعبروا عن غضبهن لتشابه قصة المسلسل مع قصصهن. وقالت الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع لـ”العرب” إن هذا شعور عادي ويمكن حدوثه، وقصص المرضى تتشابه في الكثير من تفاصيلها، وهو شعور يمكن أن يصاحب المريض حينما يشاهد أو يسمع قصة تتشابه مع تفاصيل حياته وتجربته مع المرض. وأشارت إلى أن نسبة نجاح الأعمال الدرامية التي تتناول قصص المرض -خصوصا الأمراض القاسية مثل السرطان والإيدز- تكون جيدة ورائعة حينما تتوخى هذه الأعمال الحذر في التناول حتى لا تكون مفزعة ومؤلمة للمشاهد، فيتقوقع على ذاته خائفا مرتجفا من أن يصاب بهذا المرض يوما ما، مشيرة إلى أن النتيجة قد تكون سلبية وليست إيجابية. وأوضحت أن الأعمال الدرامية الأجنبية تناولت ذلك بنجاح وحققت الأفلام أعلى المشاهدات على مستوى العالم، لأنها تناولت القصة بشكل إنساني لطيف ومحبب للنفس، ووصفت مشاهد المرض بشكل بسيط وإيجابي وتثقيفي للمشاهد، ونصحت خضر بأهمية وضع شارة تحدّد الشريحة العمرية على شاشة التلفزيون التي تعرض مشاهد لمرضى يتألمون حتى لا يؤذي ذلك الأطفال الصغار.

مشاركة :