هناك تفاوت شعبي يفضي بممارسة الحرية الاقتصادية، ولكن سوء فهم البعض يحض على انطباعات قديمة لازالت تتجدد، قد تكون نتيجة تقدير منحرف، أو ظروف حتمت حدوثه أو اتجاهات مادية جعلت الفرد يتحمل مسؤوليات أكبر من دخله، ونمط متغير ومؤشرات عديدة صنعت نموذجا ضخما لكي تصبح الحياة أكثر إنفاقا وكلفة، وبالمقابل هناك هيمنة لتصورات ثقافية متعددة تؤكد أن للعصر طرقا انسيابية نحو البنوك والقروض، ونقله سلوكية تتحرر من المجتمع التاريخي إلى آخر حديث معاصر سيطرت الحالات والأزمنة المتعاقبة عليه، وتجدر الملاحظة حول القروض التي تقدمها البنوك هي - قروض استهلاكية - أعلى فائدة وأقل مدة في السداد وأضف إلى ذلك الترتيبات التي جعلتها مؤمنة ومحكمة تفاصيلها، وقبل كل شيء سنفسر السمات الجوهرية للعقل الذي يقبل بالشروط والبنود التي يعدها البنك ثم يقدمها للمقترض، ويستجيب لها ليس بمحض إرادته وإنما تحت طائلة الحاجة الماسة أو غير ذلك، ويقف العقل عاجزا عن طرح بدائل تؤمن له الحاجة وتسد النقص في مسيرته، ووضع كهذا يجعل الاستسلام أساسا مبتذلا يتخطى الصور الواقعية التي تلغي التعقل، إننا أمام مجموعة متنوعة من عروض مشروطة قابلة للتأثير، تتجاوز في أحيان كثيرة وصفها وبلوغ أهدافها التي تعطل دينامكية المفاهيم والمعايير وقال الله تعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه الله لا يكلّف الله نفساً إلّا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا). وحديث رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام قوله "يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين" رواه مسلم لهذا لا يمكن أن يهدف الحصول على قروض بخيرات أوليه ومنافع شامله دون حماية من التراجع والهموم وحجم المسؤوليات التي تنعكس سلبا على سلوك الفرد، والكيفية التي تنجم عنها القيود والشروط. فإذا عرضنا الخيارات نجد معظمها منظمة على نحو شرعي وقانوني، وفي المقابل نمط مقيد بالمصلحة المشتركة فضلا عن دلالات تؤيد حزمة من المنافع للبنوك، واستباق مدروس يظهر التفاعل المادي المفترض كخطوات أوليه تقنع بها المقترض دون استنتاج يذكر، بل تحشد له كافة التسهيلات والعروض، وفي ذات اللحظة لا ينفك الفرد يبادر بتقديم التنازلات، وتحت طائلة الحاجة يتم انضمامه إلى قائمة طويلة من ملايين الأسماء. وباعتبار أن مقدمة الحياة تحتاج إلى تنظيم تداعياتها، واستقبال التيارات الثقافية والاقتصادية القادمة من الغرب، والانضمام السريع لها، لما لتلك الأجزاء من خبرات غير منعزلة في ضوء واقع معولم وتطور يسابق العقول ويفرض سيطرته على كل التعاملات البنكية والاجتماعية في أطار اقتصادي شامل. فالقروض في أمريكا تعتمد بنوكها على تاريخ الفرد المالي ونسبة الفوائد التي تتعلق بهذا التاريخ، وبناءا عليه تعتمد الموافقة على القرض أو رفضها، وثمة فارق بين بنك وآخر تعتمد على سياسته وبرامجه. أما القروض في السعودية فاقت التوقعات وتختلف عن بنود وشروط بنوك أخرى فقد قال الاقتصادي طلعت حافظ:(إن حجم الإقراض وصل«بنهاية الربع الثالث 2013» إلى (326.9) مليار ريال و«بطاقات الائتمان» ثمانية مليارات). وفي الحقيقة هذه أرقام ومبالغ هائلة وضخمة، أو بعبارة أدق وأقرب إلى الموضوعية، هي تحولات الواقع غير المنتظرة إلى ترسيخ مفهومها المتذبذب والسعي خلف الأيدلوجيات والنظم السائدة، إننا بصدد تسليط الضوء على المتغيرات التي داهمت المجتمعات العربية وأغرقتها في الديون المتمثلة في القروض والمستفيد الأكبر هي البنوك، رغم دورها غير الفاعل في التنمية.
مشاركة :