نظام الحصص الجزائري يفشل في كبح جماح الاستيرادتؤكد البيانات الرسمية أن السلطات الجزائرية فشلت مرة أخرى في معالجة أزماتها المالية الناتجة عن ارتباك سياساتها الاقتصادية وتراجع عوائد صادرات النفط والغاز، بعد عجز نظام حصص الاستيراد عن تحقيق أي خفض يذكر في فاتورة الواردات المرهقة لموازنة الدولة.العرب صابر بليدي [نُشر في 2017/06/24، العدد: 10673، ص(10)]رقابة غير مجدية الجزائر - تبخرت مساعي الحكومة الجزائرية لكبح جماح الاستيراد العشوائي ووقف استنزاف احتياطات البنك المركزي من النقد الأجنبي رغم حزمة الإجراءات التي أطلقتها في إطار قانون الموازنة العامة. وأظهرت بيانات إدارة الجمارك الجزائرية بقاء قيمة الواردات خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2017، قريبة من السقف المسجل في نفس الفترة من العام الماضي، ما يطرح علامات استفهام حول جدوى التدابير التقشفية التي اتخذتها الحكومة في موازنة هذا العام. ويقول خبراء إن السياسيات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة لا تبدو مجدية، في ظل الأزمة التي تعاني منها الجزائر منذ ثلاث سنوات بسبب تراجع أسعار النفط. وتشير الإحصائيات إلى أن الواردات بلغت قرابة 19.7 مليار دولار منذ بداية العام الجاري وحتى مايو الماضي، وهو ما يقارب كثيرا حجم الواردات في نفس الفترة من العام الماضي، والتي بلغت حدود 19.9 مليار دولار. ومن الواضح أن هناك تحديات كبيرة أمام الجزائر، التي لم تستفد من سنوات الريع النفطي لتنويع اقتصادها، لكبح الواردات والتي تستنزف احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي التي كانت تبلغ 192 مليار دولار في 2014. وكان رئيس الوزراء السابق عبدالمالك سلال، قد ألمح إلى أن الاحتياطي سيهبط إلى أقل من 100 مليار دولار خلال فصل الصيف على أن يعود إلى الاستقرار في ما بعد، لكن تبقى وتيرة الإنفاق التي بلغت ملياري دولار في الشهر مقلقة جدا لحكومة عبدالمجيد تبون.19.7 مليار دولار قيمة الواردات في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي مقارنة بنحو 19.9 مليار دولار قبل عام ويتوقع محللون أن تصل قيمة الواردات بحلول نهاية العام الحالي نحو 47 مليار دولار، فيما رصدت الحكومة في توقعاتها 35 مليار دولار، وهو ما يجعلها في عجز دائم قد يتفاقم إذا ما اعتبرنا الغياب شبه الكلي للإنتاج المحلي الذي يغطي طلبات الأسواق المحلية. ولا يستبعد هؤلاء أن تلجأ الحكومة خلال الفترة المقبلة لتشديد قبضة الرقابة على الواردات والتضييق أكثر على رخص الاستيراد من أجل إعادة التوازن للميزان التجاري المختلّ رغم الانتقادات الموجهة لها باللجوء إلى “الحلول السهلة”. ويرجّح البعض أن تكون مجموعة من القطاعات، وعلى رأسها قطاع السيارات والمركبات، في أولوية المواد التي ستطالها إجراءات تقشفية جديدة محتملة حيث تتردد وزارة التجارة لحد الآن، في إصدار البعض من رخص الاستيراد، بما فيها التي تدخل في إنتاج اللحوم والحليب. وتوقع عضو جمعية مستوردي السيارات والمركبات، ونائب رئيس منتدى المؤسسات محمد بايري، بأن يشهد القطاع “سنة بيضاء” بسبب تلكؤ الحكومة في إصدار رخص الاستيراد، بشكل يخفي نوايا لوقف الاستيراد خلال هذا العام. وفي المقابل، هوّن مختصون من حدة القلق الناجم عن الإحصائيات الحديثة أو اعتبار التدابير الحكومية غير مجدية، لأن الفترة التي شملها الإحصاء تزامنت مع صدور رخص استيراد، وهو ما أعطى الانطباع بعدم تقلص حدته.عبدالمالك سلال: احتياطي النقد الأجنبي مرشح للنزول إلى أقل من 100 مليار دولار خلال الصيف وباستثناء قطاع الخضر والفواكه الذي تحقق فيه البلاد اكتفاء ذاتيا، وقامت بتصدير الفائض والمقدر بنحو ثلاثة آلاف طن، فإن الجزائر تعتمد بشكل كلي على الأسواق الدولية لتغطية حاجيات السوق المحلية في معظم السلع. ولم تتمكن جهود الحكومة المرتبكة لحد الآن في إيجاد بديل لعوائد النفط، رغم الخطوات التي كشفت عنها في الأشهر الماضية لتنويع الاقتصاد. وتراهن الحكومة الجديدة، التي عرضت هذا الأسبوع برنامجها على البرلمان الجديد من أجل المناقشة والمصادقة، على ضخ دماء جديدة في الاقتصاد الجزائري. وتتركز الخطة على منح الأولوية لما أسمته وثيقة البرنامج بـ“الاستثمار المربح”، وتخفيف الضغط على الخزينة العامة، بمراجعة آليات التحويلات الاجتماعية، مع الاستمرار في تشديد الرقابة على أوجه إنفاق النقد الأجنبي. ويبدو أن المؤشرات التي حملها الميزان التجاري في الأشهر الخمسة الأولى من العام ستكون دافعا للحكومة على مواصلة تطبيق النموذج الاقتصادي الجديد، رغم أنها تواجه صعوبات في تنفيذه على أرض الواقع بحسب الخبراء. وتراجع العجز التجاري إلى نحو 4 مليارات دولار، بعدما سجل في نفس الفترة من العام الماضي نحو 8.7 مليارات دولار. وذكر المركز الوطني للإحصائيات أن تقلص العجز التجاري جاء بعد الاستقرار النسبي لأسعار النفط. وقدّرت صادرات البلاد في الفترة المذكورة بنحو 15.7 مليار دولار بعدمـا سجل 11.1 مليـار دولار في نفـس الفتـرة من 2016، وهو ما يقدّر بأكثر من 40 بالمائة. وتتجه الحكومة الحالية إلى إطلاق الصيرفة الإسلامية في البنوك المحلية من أجل استقطاب أموال السوق الموازية والمقدّرة بنحو 30 مليار دولار، بعدما فشلت آليات سابقة مثل سندات الخزينة والامتثال الضريبي، في تحقيق آمال الحكومة السابقة في التقليص من عجز الموازنة العامة المقدر بحوالي 26 مليار دولار.
مشاركة :