قلعة مازاغان المغربية معلم تاريخي من العمارة البرتغالية

  • 6/15/2014
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

تعتبر حقبة القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، المرحلة الأساسية لتمركز البرتغاليين في المغرب والمنطقة المتوسطية. وتجسد هذا الوجود في سبع مدن مغربية لا تزال تحمل بصمات الوجود العسكري البرتغالي. سبعة من الحصون العسكرية والأسوار والقصور والموانئ، معالمها شاخصة في أبرز المدن المغربية: أصيلة، سبتة، القصر الصغير، طنجة، آسفي أزمور ومازاغان (الجديدة). لكن بعض المعالم طاوله النسيان، وبات مهدداً بالاندثار بفعل التدمير الجاري. ويشار في هذا السياق إلى أن حالة السقالة والحي البرتغالي في مدينة الجديدة التي أدرجت في 30 حزيران (يونيو) 2004 ضمن لائحة التراث العالمي، صعبة، خصوصاً أن عملية الترميم وتأهيل الموقع لم تكتملا بعد. في الطريق ما بين مدينتي الدار البيضاء والجديدة، ما أن تقطع نهر أم الربيع، حيث تقع أزمور، مدينة الولي الصالح مولاي بوشعيب، بناية شامخة في بهاء قل نظيره، تستوقفك عن يمينك «محطة مازاغان» السياحية. وفي الأفق هناك عند نهاية شاطئ بديع، شاطئ الدوفيل (Deauville) بتسمية من الجنرال الفرنسي ليوتي، تتراءى لك صومعتا مسجد وكنيسة وواجهة بناية بيضاء، تمزج بين هلال ونجمة سداسية داخل أسوار من الآجرّ ورملية اللون لقلعة لا تخطئها العين: إنها قلعة «مازاغان». تعد قلعة مازاغان فريدة من نوعها في العمارة البرتغالية في المغرب وتلك الموجودة على الصعيد العالمي، فهي تشبه من حيث التصميم قصر شامبور في فرنسا الذي وضع رسومه ليوناردو دا فينشي وقصر إفورمنتي بالبرتغال الذي وضع تصميمه الأخوان دي أرودا مهندسا النواة الأولى للقلعة البرتغالية. وهما ساهما أيضاً في تحصين بعض المدن المحتلة في المغرب وبناء دير جيرونيموس وبرج بيليم في لشبونة، وتمنح مازاغان بذلك واحداً من نماذج المدن البرتغالية المحصنة التي تجسد أفكار عصر النهضة. عن هذا المعلم التاريخي يقول أبوالقاسم الشبري رئيس جمعية متخرجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في المغرب والمختص في التراث البرتغالي: «على شاطئ بحر الظلمات، رفع أعمدتها بحارة برتغاليون بأمر من ملكهم عمانويل (مانويل المحظوظ) بين عامي 1510 و1514، وقيل إن مغامراً برتغالياً كان قد حل فيها بعد عاصفة بحرية ذات شهر من العام 1502. وسيضطر الملك جون الثالث إلى تحويل هذا الحصن الأول إلى قلعة كبيرة بتوسيعه بين 1541 و1548 بعد أن أجلاه الأشراف السعديون عن مواقع أزمور وآسفي وسانتا كروز (أكادير) عام 1541». ويضيف الباحث الشبري أن ظروفاً سياسية واقتصادية محلية وعالمية أعقبت سقوط الأندلس في العام 1492، دفعت بشعب البرتغال وشعوب إمارات مرسيليا وجنوى والأراضي المنخفضة وغيرهم إلى الانطلاق في «الاكتشافات الجغرافية»، وكان البرتغاليون رواد هذه الحملات بامتياز. والحقيقة، وفق أبو القاسم، والذي يبطل التيمم بمقولة الاكتشافات الجغرافية، أن البحث عن موارد أولية وعن يد عاملة رخيصة وعن أقنان، وكذلك البحث عن أسواق لترويج المنتوج المحلي، هي التي دفعت بالبرتغاليين وبقية الأوربيين إلى الخوض في عرض البحار والمحيطات لمدى قرون. وسوف يجدون الفرصة مواتية عقب اندحار العالم الإسلامي وتراجع طرق القوافل التجارية التي كانت القوة الضاربة في قوة هذا الأخير وقوة دول إفريقيا على امتداد القرون الوسطى. وأوضح أن الوثائق التاريخية المغربية والأوروبية تتحدث عن مبادلات تجارية بين البرتغاليين وسكان «مازيغن» وهو الاسم الذي يرد في خريطة الشريف الإدريسي، وهذا الأمر يؤكد أن اسم مازاغان ليس برتغالي الأصل وإنما أمازيغي محلي عكس ما روج لذلك باحثون غربيون وتبعهم باحثون وجامعيون مغاربة. غير أن قلعة مازاغان كما وصلتنا اليوم لا أحد يشك في أنها بناء برتغالي صرف، وقد بني الحصن الأول (المسقاة البرتغالية حالياً) بإشراف من الأخوين دي أرودا (De Arruda) المهندسين الشهيرين، بينما قاد توسيعها إلى القلعة بشكلها الحالي بين 1541-1548 مهندسون برتغاليون وإسبان، اعتماداً على تصميم غير مألوف وضعه المهندس الإيطالي بنديتو دي رافينا (Benedetto di Ravenna)، كما أورد ذلك السيد الشبري في غير موضع من كتاباته ومحاضراته آخرها ما نشره بمجلة برتغالية. ومهما وصف الواصفون في جمالية معمار «مازاغان» فإن تحفة التحف تبقى ما شكل للمخرج الأميركي أورسون ويلز أيقونة فيلمه «عطيل» الذي نال به سعفة مهرجان كان لعام 1952. إنها المسقاة البرتغالية في وسط هذه القلعة والتي كانت في الأصل هي نواتها الأولى. وبما أن لكل بداية نهاية، فقد تمكن سيدي محمد بن عبد الله سلطان المغرب الشهير في 11 آذار (مارس) 1769 بعد جهد من تحرير» مازاغان» من قبضة البرتغاليين عقب حصار استمر أكثر من شهرين توقفت معه سبل الحياة داخل قلعة مغلقة ظلت دوماً شوكة في حلق المغاربة. وبفعل هذا الحصار القوي عسكرياً والمدروس تقنياً اضطر ملك البرتغال إلى طلب هدنة من سلطان مغربي سيكون أول زعيم عالمي يعترف باستقلال الولايات المتحدة، هكذا غادر البرتغاليون خليج «مازاغان» في أمان وعد غريمهم لكنهم خانوا ثقته وإيمانه بوعدهم، لأنه ما إن غاب سرب السفن المنهزمة حتى انفجر السور الأمامي لقلعة مازاغان على رؤوس المجاهدين المبتهجين بتحرير قلعة إسلامية من أيدي الكفار. وإذا كان المغاربة تطيروا من هذا الأمر ولن يرمموا قلعتهم المحررة إلا مع عشرينات القرن الثامن عشر وأعطوها اسمها الحالي «الجديدة»، فإن البرتغاليين المرحلين من «مازاغان» المغرب أرسلهم ملكهم مباشرة إلى البرازيل حيث أحدث خصيصاً لهم مدينة صغيرة سماها «مازاغان الجديدة» (Villa Nova de Mazagão) لأن ذكرى عيشهم بتحفتهم التاريخية والفنية بدكالة لم يكن للسكان ولا للملك وحكومته أن ينسوها أو يتناسوها. من فوق البرج سيلاحظ الناظر تعايش الحضارات والأديان في الملاح، بتراثه المعماري الأصيل لكونه يجمع بين الهندسة الكولونيالية واليهودية والإسلامية، وتتجلى معالمها في النوافذ والأبواب والأسوار، فنوع الأحجار ستحيل الزائر العارف فوراً على أحجار وتماثيل ورسوم ومسلات بابل الحمورابية، أما أشكال النوافذ والأبواب فستعيده فوراً إلى الأنفاس الأندلسية، ومن فوق البرج أيضاً يسترعي انتباه الناظر صومعة مسجد كان من قبل كنيسة وبجوارها برج كنيسة متهدم، وغير بعيد منهما واجهة المحكمة اليهودية، عناصر تؤكد التعايش الذي كان سائداً. المغربمنوعات

مشاركة :