العزلة والتواصل في الأعياد بقلم: عدلي صادق

  • 6/25/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إن للأعياد، مذاقاتها الطبيعية عند كل ذي فطرة سويّة، وعند البشر الطبيعيين. أما البشر المسكونون بغرائز البغضاء، فهؤلاء يظلون أسرى عزلتهم التواصلية مع الناس، مهما توالت الأعياد!العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/06/25، العدد: 10674، ص(24)] كل عام وأنتم بخير. لعل عيد الفطر هذا، الذي تلا الشهر الفضيل، يذكرنا بالحاجة إلى تصفية “الكراهيات العريقة”. فالكثيرون ممن يحتفلون بالعيد، في مشارق الأرض ومغاربها، مسكونون بأوهام الحب والبغضاء. حتى باتت الكراهيات غرائز متنامية يُعاد إنتاجها، في زمن تطور وسائل الاتصال المساعدة على اقتراب الناس من بعضها بعضاً. وهذا يبرهن على خطأ القول في الفرضيات التقليدية، إن العُزلة الجغرافية التي تحيا فيها بعض المجتمعات، هي التي ترسخ الكراهية أو تخلق أوهامها. فلا يزال لافتاً، في ما يسمى “القرية الكونية” تلازم الكراهية مع العبارات المختزلة، التي تختصر مجتمعات أخرى، من خلال حكاية أو طُرفة، أو مثال أو لفظ باللهجة المحلية! مع التطور اللامتناهي لوسائل الاتصال، لم يسع معتنقو الكراهية إلى التخلص من أعراض عزلتهم الذهنية، أو من جهلهم لحقائق الآخرين، وإنما فعلوا العكس، أي بدل الاستفادة من هذه الوسائل للتواصل والانفتاح؛ ذهبوا بمكر استثنائي إلى استخدام وسائل الاتصال لتأجيج الكراهيات، في سياق جديد، لإعادة إنتاجها دونما كلفة، وبمحض التحايل على الحقائق، لتشويه الآخر! عندما أطلت الأصولية برأسها، اتكأت على وجوب العمل على تعزيز الوحدة الوجدانية لأمة المسلمين الشاسعة، ما يعني نبذ رابطة العروبة والاستهانة بمشتركات أكثر من كافية لتأطير أمة العرب. لكن هذه الأصولية، عندما تمكنت من تشكيل بؤر حضورها، تقاتلت -أول ما تقاتلت- مع نفسها، ليتضح بما لا يدع مجالاً للشك، أنهم استهدفوا العروبة واستهتروا بروابطها، بهدف تقسيم المُقسم وإفلات الغرائز. وكان من تحصيل الحاصل، ألا يحتكم المتقاتلون إلى القرآن الكريم نفسه، كما هو الحال بالنسبة للمتذابحين في سوريا مثلاً! أصحاب الفقه الرديء، من مُنظّري الكراهية، يضعون الآخرين أمام ذواتهم على نحو مُتخيّل، ولا يتورعون عن التعبير عن كراهياتهم بفظاظة جارحة بينما المستهدفون بالبغضاء غائبون. وفي حال حضور هؤلاء الأخيرين أمامهم، وجها لوجه، تسمعهم يُبدلون لغتهم لزوم الخديعة والمجاملة أو التُقية. وهذا للأسف ما لمسناه منذ أن بدأت ما تسمى “الصحوة” في أوطاننا. فقد شهدت هذه الأوطان تحولات إلى الأسوأ، وتنامت النوازع الغريزية العنيدة، وتردت المصائر، وتفشى خطاب التحقير، وتراجعت فكرة الدولة الجامعة، ذات القوانين الكفيلة بتجريم الإهانة والنعرات ومنطق التكفير والتخوين! إن للأعياد، مذاقاتها الطبيعية عند كل ذي فطرة سويّة، وعند البشر الطبيعيين. أما البشر المسكونون بغرائز البغضاء، فهؤلاء يظلون أسرى عزلتهم التواصلية مع الناس، مهما توالت الأعياد! عدلي صادق

مشاركة :