النقد بالنسبة لاعتدال عثمان عملية إبداعية في المقام الأول، تنطلق من النص المنقود وتطمح إلى محاورة المشهد الثقافي العربي المعاصر من خلال تجسده أدبيا في روايات صدرت على امتداد الساحة العربية، تنتمي إلى أجيال مختلفة ورؤى فكرية وإبداعية متنوعة. وفي رأيها أن العمل الأدبي يحتمل قراءات غير متناهية، وأن الروائيين العرب باختلاف أجيالهم يجمعهم مشهد موحد تتآلف مكوناته وعناصره البنائية بأبعاده التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية. كما ترى أن الفن يعرفنا على وقائع حياتنا. ويجيئ كتاب "السفر إلى ممالك الخيال .. ملامح وأصوات في الرواية العربية" للناقدة اعتدال عثمان الصادر عن سلسلة "كتاب الهلال" (العدد 787) في بابين رئيسيين، يضم الباب الأول ملامح عامة، أما الباب الثاني فيبرز خصوصية أصوات روائية في إطار المشهد الروائي العربي العام. ولضخامة الكتاب (320 صفحة) من القطع الصغير، كنت أرى أن ينقسم إلى كتابين، خاصة أنه لا علاقة بين البابين سوى أن الناقدة تتحدث عن العالم الروائي، الكتاب الأول أو الباب الأول (145 صفحة) حمل عنوان "في تحولات الرواية العربية"، والكتاب الثاني أو الباب الثاني (112 صفحة) جاء بعنوان "أصوات وملامح"، فضلا عن التمهيد الذي استغرق عشر صفحات. في الباب الأول تحدثت الناقدة اعتدال عثمان عن "فلسطين في المخيال الروائي" وقدمت دراسة لخمس روايات صدرت عن فلسطين من خلال توظيف مفهوم المخيال الروائي، والتركيز على انعكاس مؤثرات تاريخية واجتماعية ونفسية في تشكيل الخطاب الروائي من حيث الرؤى في النصوص المدروسة، وتآلفها أو تقاطعها في البنى السردية للروايات وأدوات التقنية الروائية المستخدمة فيها، وهذه الروايات هي: "الطنطورية" لرضوى عاشور، و"حبي الأول" لسحر خليفة، و"الملهاة الفلسطينية: زمن الخيول البيضاء" لإبراهيم نصر الله، و"حليب التين" لسامية عيسى، و"سوناتا لأشباح القدس" لواسيني الأعرج. وتلقي الناقدة الضوء على عدة موضوعات مثل: ما المخيال؟ والمخيال الاجتماعي والمخيال الجذري، وتوضح أن المخيال الجذري يمثل الجانب الفردي، والمخيال الاجتماعي يمثل الفضاء العام الذي تتقاطع فيه المعاني والدلالات والرموز. كما تتحدث عن المخيال الروائي، وتتوقف عند سؤال التاريخ أو حركة المخيال الروائي صوب التاريخ. وتوضح أن "الطنطورية لرضوى عاشور تستعيد سنوات تمتد أكثر من ستين سنة تغطي ما قبل زمن انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وقرار التقسيم وحرب 1948 حتى تحرير جنوب لبنان عام 2000. أما رواية "حبي الأول" لسحر خليفة فتتناول مرحلة الثلاثينيات من القرن الماضي متمثلة أحداث الثورة الفلسطينية (1936 – 1939) وتمتد إلى وقتنا الراهن، بينما يذهب إبراهيم نصر الله في روايته "الملهاة الفلسطينية .. زمن الخيول البيضاء" إلى القرن التاسع عشر وسقوط الإمبراطورية العثمانية حتى احتلال فلسطين 1948. وتلجأ سامية عيسى إلى التاريخ القريب فترصد أفقا مغلقا على شخوصها الروائية في "حليب التين" وهو زمن المخيمات منذ اجتياح إسرائيل للبنان، وخروج المنظمات الفلسطينية منه وشتات الأهالي في المهاجر. أما واسيني الأعرج ففي روايته "سوناتا لأشباح القدس" فيرسم جانبا من التاريخ خلال الشخصية الأساسية في الغربة التي تستعيد ذكريات أرضها الأولى ومدينتها القدس منذ غادرتها مرغمة عام 1948 حتى اليوم الفاصل بين قرن مضى والقرن الحالي. ومن خلال دراستها لمثل هذه الروايات تتساءل الناقدة: هل الرواية إعادة إنتاج للتاريخ؟ وهل تحتفظ بحقيقتها الخاصة برغم اتكائها على مرجعية الوقائع المعروفة؟ وهل تتجسد هذه الحقيقة في الوقائع المسرودة المستمدة من المخيال الاجتماعي أم في شكل الحكي وما يقترحه من أفق للتلقي والتأويل يبثهما في ثنايا خطابه الروائي من خلال التقنية؟ وتعرف الناقد الرواية التاريخية بأنها بنية نوعية تتأسس على العام، لكنها تحوله إلى عناصر نصية ترتبط بطبيعة العمل الروائي وحركة المخيال الروائي الذي يرفع الشخصيات الروائية إلى ما فوق الواقع بما يخالف طبيعة النفس البشرية وصراعها الدائم مع نوازعها وأطماعها ومواطن الضعف والتخاذل وإيثار المصالح الشخصية. وتحت عنوان "الرواية العربية وملحمة البحث عن الهوية" ترى اعتدال عثمان أن الرحلة ما بين ثلاثية نجيب محفوظ إلى خماسية عبدالرحمن منيف "مدن الملح" هي الرحلة ما بين تحولات المدينة النهرية الكبيرة إلى ولادة المدينة الصحراوية الجديدة حول آبار النفط. وتشير إلى أن رضوى عاشور تستعين في روايتها "قطعة من أوروبا" بوسائل المؤرخ بغرض تسجيل الوقائع بدقة وأمانة، ثم تفسيرها تفسيرا موضوعيا من منظور وطني، أما في رواية "مالك الحزين" لإبراهيم أصلان فنجد محور الرواية يرتكز على المقهى في حي إمبابة يرتكز المقهى في حي إمبابة الشعبي بالقاهرة، إنه المكان الذي تنطلق منه الأحداث وتعود إليه، أما المكان "الصحراء" فيشكل محورا لعدد من الروايات العربية من بينها أعمال الروائي الليبي إبراهيم الكوني. وفي فصل "الذاكرة الثقافية بين التفكيك والتركيب .. قراءة في روايات مصرية حديثة" تتحدث الناقدة عن الرواية الانتقادية الاجتماعية، والرواية الشعرية، حيث يظهر البعد الانتقادي لمجتمع المدينة في رواية إبراهيم أصلان "مالك الحزين" وفي روايتي علاء الديب "زهر الليمون" و"أطفال بلا دموع". أما الريف المصري فتوضح أنه يتجسد في أعمال يوسف القعيد ومحمد مستجاب ويوسف أبورية. وتتجسد الرواية الشعرية في نماذج لدى إدوار الخراط وبهاء طاهر وجمال الغيطاني مع اختلاف كل منهم وخصوصيته، حيث نجد لدى بهاء طاهر نزوعا شعريا في استخدام اللغة، وفي "كتاب التجليات" لجمال الغيطاني نجد خروجا صريحا على الأنماط الروائية المعروفة، وفي روايتي "رامة والتنين" و"الزمن الآخر" ينحو الخراط إلى تقطيع الحدث إلى وحدات مكتملة وقائمة بذاتها، لكنها متصلة عبر السياق، يربطها راو واحد. "وفي رواية العمارة وعمارة الرواية .. قراءة في نصوص مصرية" توضح الناقدة أن الرواية نوع من العمارة في تنظيم أحداثها ورسم أبعاد شخصياتها، وأن الرواية تشكيل لغوي لفضاء النص الروائي المفتوح على الخيال، فيما تقوم العمارة بتشكيل مادي ملموس ثلاثي الأبعاء للفضاء الواقعي المحدد. وفي "المكان البطل" تورد مقولة يحيى حقي أن الأماكن يسكنها "عطر الأحباب"، كما أن الأماكن لها أصوات، فهل هناك من مستمع؟ ثم تمر اعتدال عثمان على تجارب إماراتية شابة في الرواية والكتابة على الحدود المراوغة بين الواقع والخيال، حيث تنتمي هذه الروايات إلى جنس الرواية التي ارتبطت دائما بالمدينة المعاصرة وتحولاتها في سياق التحرر والحداثة، وما بعدها. وتتوقف عند ثلاثة أعمال روائية شابة هي: "الياه" لهدى سرور، و"مملكة ريحانة ورحلة القلب نحو الشفاء والحب" لعبدالله النيادي، و"زاوية حادة" لفاطمة المزروعي. وفي الباب الثاني من الكتاب "أصوات وملامح" تقدم الناقدة قراءة في رواية "النهايات" لعبدالرحمن منيف تحت عنوان "النهايات وسؤال البدايات"، وتتحدث عن الخصوصية السحرية في روايات إبراهيم الكوني، حيث يعتمد القص رؤية تقوم على قانون النقائض والأضداد. وتتناول صنع الأسطورة في رواية جبرا إبراهيم جبرا "البحث عن وليد مسعود"، وتتحدث عن سؤال الهوية في رواية "مراتيج" للكاتبة التونسية عروسية النالوتي التي تدور أحداثها في باريس، عدا خاتمتها التي تظهر في شكل ملحق خاص يجري في تونس. كما تتوقف الناقدة عند الكاتبة السودانية بثينة خضر مكي وروح المكان في أعمالها حيث تستبطن روح المكان وتسعى إلى تغليب المشترك الثقافي الممتد عبر التاريخ على السياسي الممزق للأوطان بدوافع السيطرة والمصالح الضيقة البعيدة عن المصلحة العليا للبلاد. وأخيرا تتناول اعتدال عثمان المفارقة الساخرة في رواية "العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء" لسلوى بكر، حيث تنطلق الكاتبة من قاع المدينة حيث سجن النساء لتقدم ما يظهر للوهلة الأولى على أنه إعادة قراءة التاريخ الاجتماعي قراءة مضادة لاتجاهه. أحمد فضل شبلول
مشاركة :