معًا، ولكن بحرية، لكي يعزف كل واحد تقسيمه الخاص وبحرية، ولكن بطريقة مشتركة من خلال الاشتراك في نقل الأدب، لكي تتعدّل عوالمنا الداخلية دونما التباس مع العالم الخارجي.العرب أبو بكر العيادي [نُشر في 2017/06/29، العدد: 10676، ص(15)] النظرية الأدبية، كما هو معروف، مقاربة مفهومية للنصوص الأدبية من خلال تبيّن المقوّمات الفنية التي تقوم عليها تلك النصوص، بطريقة تتوسل بمناهج محددة، ولكن تطبيق تلك النظريات في المجال التعليمي كأساليب يُستأنس بها لمقاربة النصوص المقررة، نفّر المتعلمين منها، لأنها تضطرهم إلى التعامل مع النصوص المقترحة وفقا لأساليب النصية وحدها، وإلى نبذ أنماط التلقي العادية التي تحيل النص على الواقع وتتكئ على التأثر والانفعالات. ورغم الأزمة التي يشهدها تدريس الآداب في فرنسا، قليلة هي الكتب التي حاولت إعادة النظر في المسألة، فمنذ “مدخل لدراسة النصوص” لميشيل شارل، في نهاية القرن الماضي، لم يظهر سوى كتابين هما “القراءة، التأويل، التحيين، الدراسات الأدبية، لماذا؟” لإيف سيتّون، ثم “طرقٌ للقراءة، كيفيات للكينونة” لمارييل ماسي. لذلك عُدّ كتاب هيلين ميرلان كاجمان، أستاذة النظريات الأدبية بالسوربون الجديدة، حدثا لكونه يقترح طريقة أخرى لنقل الأدب، مع التأكيد على جمالية القراءة. والكتاب أشبه بخطاب في المنهج، يتوجه إلى كل شخص مكلف بنقل الأدب، وإلى كل حريص على توفيره لأكبر عدد ممكن، ويقترح الانطلاق من وضعية ملموسة للتشارك الأدبي لأجل مساءلة النظرية الأدبية وليس العكس. حيث الأولوية للحالات التي يكون فيها التأويل أكثر ذاتية. والباحثة تستهدي في ذلك بتجارب عالم التحليل النفسي، البريطاني دونالد وينيكوت، الذي يعتبر هو أيضا القراءة نشاطا انتقاليا، أي فضاء تجريبيا وسيطا بيننا وبين العالم، يسمح لنا باستعمال انفعالاتنا، وتعديل علاقتنا بالآخر، ويتيح لكل فرد أن يتفرد، دون أن يتخلى عن ذاتيته. وهي إذ تصف تجربتها مع ابنها في مقاربة قصيدة لبودلير، تراهن على الجمال، ليس بوصفه قيمة معيارية أو لازمنية، بل باعتباره رباطا حسّاسًا، كـ “منفذ إلى سعادة قد تنتشر بيننا، من حميمية إلى أخرى”. تقول هيلين ميرلان كاجمان “الأدب، بما هو واقع بين العالم الداخلي وإكراهات العالم الخارجي، يمنحنا موقعا متخيلا ورمزيا كي ندجّن معا نقاط ألمنا الشديد وتحويلها إلى متعة، شريطة أن يُجهّز لها المجتمع، عن طريق القراءة بصوت عال للأطفال، والتعليم، والنقد، فضاءً تمرح فيه. معًا، ولكن بحرية، لكي يعزف كل واحد تقسيمه الخاص. وبحرية، ولكن بطريقة مشتركة من خلال الاشتراك في نقل الأدب، لكي تتعدّل عوالمنا الداخلية دونما التباس مع العالم الخارجي، حينئذ لن يكون المجال العام، بعبارة حنة آرنت، إلا أفضل حالا، لأننا سوف نتعلم كيف نحرّك معًا اختلافاتنا، ونحترم الجانب الحميم الذي يحدد كل واحد منّا”. كاتب تونسيأبو بكر العيادي
مشاركة :