رفعت السعيد: غياب استراتيجية شاملة جعل مصر تواجه الإرهاب بساق واحدةإيجاد الطريقة المثلى لمواجهة الإرهاب والتطرف الديني أهم مبحث يشغل المفكرين والمثقفين والسياسيين في العالم وخصوصا في الدول العربية المسلمة ومن بينها مصر. وفي أعماق هذه المسألة بحث وكتب المفكر والسياسي المصري رفعت السعيد. وله في ذلك العديد من المؤلفات والمقالات الصحافية. ووصف المفكر والسياسي مواجهة مصر للإرهاب بالعرجاء لأن عملها في هذا المجال تشوبه العديد من النقائص التي حالت دون نجاح مساعيها في دحر الإرهاب والفكر المتطرف، وهو ما تناوله بالتفصيل في حديثه مع “العرب”.العرب أحمد جمال [نُشر في 2017/06/30، العدد: 10677، ص(12)]رفعت السعيد رئيس المجلس الرئاسي لحزب التجمع اليساري في مصر القاهرة - رفعت السعيد رئيس المجلس الرئاسي لحزب التجمع اليساري في مصر وأحد من المثقفين القلائل الذين يمتلكون نظرة شاملة لظاهرة الإرهاب، ولا يتوقف الرجل الذي اقترب من الخامسة والثمانين سنة من العمر عن تقديم إسهاماته الفكرية والصحافية لتحليل هذه الظاهرة، وله في ذلك، وبحكم تجاربه السياسية الثرية، وجهات نظر يجب الالتفات إليها والاستماع لها. “العرب” حاورته حول ما يمكن اتخاذه من إجراءات لمواجهة الإرهاب. أكد السعيد أن مصر تواجه الإرهاب وهي واقفة على ساق واحدة، بينما الساق الثانية مرفوعة من الخدمة حتى الآن، فقد تركت من وصفهم بـ”الأفاعي السامة” يلوثون عقول المصريين من خلال نشر الأفكار المتطرفة، وهكذا فإن المواجهة الأمنية والعسكرية لا تقابلها مواجهة فكرية. وقال “إن عدم وجود استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب بأوجهها السياسية والفكرية والعسكرية والمجتمعية يعرقل إحراز تقدم ملحوظ في الحرب ضد الإرهاب، كما أن محاولة إلقاء الكره في ملعب كل مؤسسة باعتبارها هي المسؤولة وحدها عن التقصير تفاقم مشكلات المواجهة”. السعيد الذي يعد أحد أبرز قيادات اليسار المصري يؤمن بأن مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف مشاركتان في هذا التقصير، غير أنه لا يمكن تحميلهما بمفردهما مسؤولية عدم التعاطي مع الأفكار المتطرفة في ظل السماح الحكومي بتواجد أحزاب إسلامية تقوم ببث سمومها الرافضة للآخر وتقدم دعما خفيا للعمليات الإرهابية التي تستهدف الأقباط. ويرى السعيد أن أي عمل إرهابي يكون ناتجا عن فكرة متطرفة يتم ترويجها وتنفيذها من خلال عمليات إرهابية، وبالتالي فهو يشدد على أن “البداية في مواجهة الإرهاب يجب أن تكون من خلال هدم الجمود الفكري الذي يعانيه بعض المنتمين إلى المؤسسات الدينية المصرية”. وشدد على أن هناك واقعتين تؤكدان ضرورة إدخال تعديلات جذرية على طريقة إدارة مؤسستي الأزهر والأوقاف للمواجهة الفكرية مع التنظيمات المتطرفة؛ الأولى مرتبطة بالأزهر بعد أن ارتكن في مسألة الطلاق الشفوي على آراء فقهية قديمة صدرت منذ قرون، دون أن يرتبط ذلك بالبحث في المسألة بمبدأ تطوير الفقه أو نقده وفقا للمتغيرات الحالية.البداية في مواجهة الإرهاب يجب أن تكون بهدم الجمود الفكري الذي يعانيه بعض المنتمين إلى المؤسسات الدينية وكان الأزهر خلال شهر يناير الماضي قد رفض مقترحا تقدم به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتوثيق الطلاق الشفوي كشرط لصحة وقوعه بين الزوجين، غير أن هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر أصرت على وقوع الطلاق الشفوي المستوفي لأركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، دون اشتراط إشهاد أو توثيق. وطالب السعيد بضرورة إدخال سلسلة من التعديلات على أدوار هيئة كبار العلماء، وتعديلات على ما وصفه بـ”التركيبة الصخرية” الموجودة في قيادات الأزهر، على أن يصاحب ذلك تعديل في مناهجه لا ترتكن على حذف الآراء الفقهية الشاذة ولكن تقوم على التجديد في علوم الفقه، بحيث تكون هناك مساحة لإعمال العقل في أمور الدين. أما الواقعة الثانية فتتعلق بالمعركة التي يخوضها محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري ضد ما أسماه السعيد “جبروت العمائم”، ومن وجهة نظره “فإن هذه المعركة لا يتم التعامل معها بالجدية المطلوبة، إذ أن هناك البعض من الشيوخ يتم السماح لهم بالخطابة بشرط عدم التطرق إلى المواضيع السياسية، في حين أن لديهم آراء معروفة تحرم التعامل مع الآخر وتكفره”. وأوضح السعيد أنه على الرغم من التأكيدات المتتالية لوزارة الأوقاف المصرية أنها تضيق الخناق على السلفيين والمتطرفين داخل المساجد، غير أن الواقع يشير إلى غير ذلك، فحتى الآن هناك عدد من قيادات السلفيين، وعلى رأسهم ياسر برهامي نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية بالإسكندرية، يقومون بالخطابة داخل المساجد بتصاريح رسمية من الوزارة ذاتها. وأرجع فشل الدولة المصرية في التعامل مع جمود الأفكار الدينية إلى أن “الدعوة لدى غالبية مشايخ الأزهر والأوقاف تحولت إلى وظيفة يحققون عائدا ماديا من ورائها بدلا من أن تكون علما يسعى الجميع للتبحر فيه وتجديده”. ثلاثية ضد التشدد لدى السياسي والمفكر المصري عدة مؤلفات عن مواجهة أفكار التنظيمات الإسلامية المتشددة، أبرزها ثلاثية “ضد التأسلم”، كما أنه يشدد دائما على أن التجديد الحالي تعوقه العديد من المشكلات السياسية والفكرية وبالتالي فإنه من الصعب نجاحه على اعتبار أن “التجديد لا يجب أن يعوقه شيء”. ولفت إلى أن هناك ثقافة سائدة لدى فئات واسعة من المصريين لتأليه أئمة الفقه الأربعة، وتغيير تلك الثقافة يحتاج إلى سنوات طويلة شريطة أن تتوفر الأجواء التي تسمح بالتغيير مع وجود قيادات دينية تؤمن بتحرير الفكر الديني من قيود الجمود.تجديد الخطاب الديني مسؤولية مشتركة ويعتقد السعيد أن الأمر يتطلب كذلك تغييرا مماثلا في مناهج التعليم المدني بحيث تكون هناك حريات يتم ترسيخها لدى الأطفال بأهمية التفكير وضرورة فهم الأشياء بدلا من حفظها. السعي الدائم لرفعت السعيد نحو إيجاد فكر جديد يخترق ساحات العقل والحرية، وتأكيده على ذلك من خلال كتابه “عمائم ليبرالية.. في ساحة العقل والحرية”، جعله يطالب بأن يكون هناك تعليم تربوي صالح لجل الأديان السماوية، دون أن تكون هناك حاجة إلى مادة التربية الدينية التي تفرق بين الطلاب المسلمين والأقباط داخل المدارس. وأكد أن “هذا المنهج الدراسي ينبغي أن يتضمن المشتركات السمحة بين جميع الأديان السماوية التي تشجع على المحبة وقبول الآخر وتلفظ العنف والتطرف، بجانب التركيز على كيفية تدريس تلك المناهج داخل المدارس بحيث تكون من خلال متخصصين في علوم الدين”. شدد المفكر السياسي المصري على أن المواجهة الفكرية للإرهاب لا بد أن تقابلها إجراءات سياسية وقانونية بشأن التعامل مع الأحزاب الإسلامية التي تدعم أيديولوجيا تحركات التنظيمات الإرهابية، وتجاهر بتأييد بعض أفعالها وعناصرها، ومن ثمة توفر بيئة خصبة يمكن من خلالها اللعب على وتر تماسك المجتمع، وهو أمر حدث بالفعل مع توالي العمليات الإرهابية ضد الأقباط. الأحزاب الدينية مرفوضة برهن السعيد على وجهة نظره قائلا إن الأحزاب الإسلامية المرخص لها بالعمل في مصر والبالغ عددها ثمانية أحزاب (النور، والبناء والتنمية، والوطن، والوسط، والأصالة، والفضيلة، والشعب، ومصر القوية)، اعتادت إصدار مواقف سياسية تتلاقى مع رؤى وأفكار التنظيمات الإرهابية، وكان آخرها نعي بعضها للإرهابي أبي العلا عبدربه، أحد أعضاء تنظيم داعش، والذي لقي حتفه بسوريا في مارس الماضي. وخاض السعيد حربا سياسية مع الحكومة المصرية لعدم اتخاذها إجراءات لحل هذه الأحزاب، من خلال العديد من المقالات التي نشرت بصحيفة “الأهرام” المصرية وقد اتهم فيها رئيس الحكومة بالتخاذل في التعامل مع تلك الأحزاب، بعد أن ثبت ضلوعها في دعم الإرهاب، وتحديدا بعد وضع عدد من قياداتها على رأسهم طارق الزمر رئيس حزب البناء والتنمية على قوائم الإرهاب. واتخذت لجنة شؤون الأحزاب الأسبوع الماضي قرارا بإحالة أوراق 5 أحزاب دينية إلى النائب العام وهي: البناء والتنمية، والوسط، والاستقلال، وغد الثورة، والوطن. وذلك للتحقيق في مخالفاتها وإعداد تقرير نهائي بشأن تأسيسها على أساس ديني ودعمها للإرهاب. على الرغم من عدم وجود حزب النور السلفي صاحب الـ12 مقعدا بالبرلمان المصري ضمن الأحزاب المتهمة بالإرهاب، غير أن السعيد يرى أن “التحرك باتجاه حل مجموعة من الأحزاب الدينية يعد رسالة تهديد قوية للحزب في حال عدم تغيير سياساته وقناعاته من مدنية الدولة ودعم التنظيمات المتطرفة”. ضغوط خارجية أرجع القيادي اليساري عدم تحرك الدولة باتجاه حزب النور، الذي يسعى في رأيه إلى شغل الفراغ الذي تركته جماعة الإخوان، إلى ضغوط إقليمية ودولية ترفض إبعاد التيار الإسلامي عن العملية السياسية، وبالتالي فإن الحكومة تشدد مرارا على أنها تقصي فقط من يثبت تورطه في أعمال عنف، كما أن الأمر يرتبط أيضا بضغوط أخرى تمارسها جهات (رفض تسميتها) تمول هذا الحزب.ينبغي إدخال سلسلة من التعديلات على أدوار هيئة كبار العلماء، وتعديلات على "التركيبة الصخرية" لقيادات الأزهر وذهب السعيد إلى أبعد من ذلك بتأكيده أن جماعة الإخوان مازالت في أحضان قوى إقليمية كبرى تدعم تواجدها، بالرغم من اعترافها بتورطها في أعمال إرهابية، ومن هنا تبرز الحاجة إلى جهود مصرية أكبر لإقناع العالم بأن مواجهة جماعة الإخوان هي أساس محاربة الإرهاب. وارتكن السعيد في تفسيره لهذا الأمر على تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في منتصف شهر يونيو، والتي أكد خلالها أن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم بأكمله على لائحة الإرهاب سيعقد الأمور، موضحا أن الإخوان الذين يبلغ عددهم خمسة ملايين تم تقسيمهم إلى مجموعات عدة، وأن جزءا منهم يحتلون مواقع رسمية في بلدانهم. في تقييمه لمستقبل الجماعة داخل مصر، يرى السعيد، الذي يفتخر بأن الحزب الذي ينتمي إليه هو الوحيد الذي واجه الجماعة على مدار تاريخه دون أن يتحالف معها حتى تم تصنيفها على أنها جماعة إرهابية في عام 2014، أن عودتها إلى سابق عهدها يعد أمرا صعبا ولا خوف منه، مضيفا “ما يخيفني هو دعوات التصالح التي يطالب بها البعض بين الحين والآخر وهي دعوات تتعارض مع المواجهة المصرية للإرهاب”. رفعت السعيد أحد الرؤساء التاريخيين لحزب التجمع اليساري الذي تم تأسيسه في عام 1976، بعد أن تم فتح الرئيس المصري الراحل أنور السادات الباب أمام تأسيس الأحزاب السياسية، وتولى السعيد رئاسة الحزب خلفا لمؤسسه خالد محيي الدين أحد قيادات ثورة 23 يوليو 1952، إلى أن ترك رئاسته في عام 2013، وعرف بمعارضته القوية للرؤساء السابقين، وتحديدا الرئيس الراحل أنور السادات، قبل أن يتخذ حزبه موقفا قريبا من النظام المصري الحالي. وأشار لـ”العرب” إلى أن هناك جزءا خفيا في مواجهة الإرهاب يرتبط بالأحزاب المدنية التي أثر الإرهاب على أدوارها السياسية في وقت تعيش فيه البلاد حالة طوارئ نتيجة تصاعد وتيرة الأحداث الإرهابية ضد الأقباط، موضحا أن “ضعف الأحزاب المدنية تسبب في ترك الساحة بصورة أكبر للأحزاب الإسلامية، وهو أمر قصدته جماعة الإخوان بخلطها الدين بالسياسة فأضعفت جميع التيارات المدنية لصالحها”. ويؤمن رفعت السعيد بأن الأحزاب لا تمر فقط بحالة من الضعف السياسي، لكن ثمة ظروفا تؤثر في وجودها بالشارع، إذ أن هناك إدراكا واسعا لدى العديد من قيادات الأحزاب بأن التحرك سياسيا ضد الدولة في وقت تواجه فيه الإرهاب يثقل الأعباء الملقاة عليها، بالإضافة إلى غياب التمويل المادي لها، ما أدى إلى انكماش أدوارها.
مشاركة :