التوتر مع السودان ينعش نشاط الإرهاب جنوب مصرفتح التوتّر الأخير بين السودان ومصر، وكان آخر تجلياته استدعاء السفير السوداني بالقاهرة، بابا جديدا للتهديد الأمني من المنطقة الجنوبية لمصر. ويرى مراقبون أن حالة الشد التي فرضها السودان والسماح بتواجد تركي في البحر الأحمر، قد يمنح الإرهاب متنفسا جديدا للتحرك في الظهير الصحراوي العملاق بين مصر وليبيا والسودان.العرب أحمد جمال [نُشر في 2018/01/07، العدد: 10862، ص(3)]علاقات متأثرة بالتحولات السياسية القاهرة - تسببت التحولات السياسية التي طرأت على العلاقة بين الخرطوم والقاهرة في فتح جبهة تهديد ثالثة للأمن القومي المصري، من ناحية الجنوب، في ظل وجود جبهة شرقية مازالت مشتعلة في سيناء على الحدود مع غزة، واستمرار التهديد الغربي القادم من الحدود الصحراوية الشاسعة بين مصر وليبيا. وأضحت مصر تواجه خطر تهريب الإرهابيين إلى أراضيها بشكل أكبر عبر مثلث الحدود بين مصر وليبيا والسودان، تحديدا في منطقة جبل العوينات (أقصى الجنوب الغربي)، وهي منطقة جبلية تصعب السيطرة على منافذ تحرك الإرهابيين فيها، وتعوّل عليها تنظيمات إرهابية لتهريب السلاح إلى مصر، وتعد ملاذا آمنا لهروب أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. وازدادت صعوبة السيطرة على الأوضاع داخل تلك المنطقة، بعد التطورات الأخيرة التي أفرزت موقفا سودانيا معاديا لمصر بشكل صريح، عقب قيام السودان باستدعاء سفيره لدى القاهرة، ما يؤثر على طبيعة التنسيق الأمني الضعيف أساسا بين الجانبين، وسط غياب سيطرة الجيش الليبي على الحدود المتاخمة لمصر والسودان. ولم يقتصر أثر الموقف السوداني من مصر على استدعاء السفير لكن أفضى انضمام الخرطوم إلى معسكر تحالف تركي قطري لمزيد من الخطر القادم من الجنوب، في ظل التواجد الأمني التركي في الصومال عبر القاعدة العسكرية التي افتتحت العام الماضي أو التواجد المنتظر في جزيرة سواكن السودانية التي سلمتها الخرطوم لأنقرة بذريعة تعميرها. وتعد سواكن الميناء الثاني للسودان بعد ميناء بورسودان، وتبعد عن مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه بين مصر والسودان مسافة 350 كم، وهو ما اعتبره عسكريون يشمل تمركزا عسكريا إقليميا لتركيا يضاف إلى قاعدتيها في كل من الصومال وقطر. ويشير خبراء أمنيون إلى أن التواجد التركي في منطقة القرن الأفريقي يتزامن مع تدشين تحالفات عسكرية مع السودان وقطر، ظهرت بوادره من خلال عقد رؤساء أركان الدول الثلاث اجتماعا في الخرطوم الشهر الماضي. وهو ما يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري، لأن التواجد التركي بالقرب من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وبالتبعية قناة السويس لن تصمت عليه القاهرة كثيرا لأنه من الممكن أن يكون ذريعة لتقديم تسهيلات لقيادات إسلامية متطرفة، معروفة بأن لها علاقة وطيدة بالنظامين السوداني والتركي. ولا تؤثر انعكاسات التحولات السياسية في العلاقة بين مصر والسودان على الحدود الجنوبية فحسب، بل وجود مناطق تماس بينها وبين الحدود الغربية في ليبيا يسمح بوجود مناطق رخوة لتحرك الإرهابيين وتنقلاتهم بين مساحات صحراوية شاسعة يبلغ طولها 1158 كيلومترا بين منفذ السلوم الحدودي الغربي مع ليبيا وبين الحدود السودانية المصرية جنوبا، وقد تنشط العمليات الإرهابية في تلك المناطق تأثرا بالدعم اللوجستي المقدم للإرهابيين. ويرى مراقبون أن التوتر المصري السوداني لا يخدم بالأساس سوى الجماعات المتطرفة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين المقيمين بالسودان، وهم يحظون أيضا برعاية أو مظلة تركية لم تعد خافية على الكثيرين. وتقول تحقيقات أمن الدولة المصرية إن متهمين بالإرهاب مرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين، تلقوا تدريبا عسكريا في السودان، وحصلوا على دعم استخباري خارجي حيث كانوا سببا رئيسيا في ارتفاع وتيرة الأعمال الإرهابية في صعيد مصر.التواجد التركي بالقرب من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وقناة السويس من الممكن أن يكون ذريعة لتقديم تسهيلات لقيادات إسلامية متطرفة، معروفة بأن لها علاقة وطيدة بالنظامين السوداني والتركي وكشفت التحقيقات أن حركة “حسم” الإخوانية التي تبنت اغتيالات وتفجيرات في مصر، يعود جزء من بناء هيكلها التنظيمي إلى السودان الذي كان ملاذا آمنا للكثير من الإرهابيين الفارين من القاهرة بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس 2013. وكشف انفجار في أحد الشقق بحي “أركويت” جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، عن خلية لحركة “حسم” تتكون من مصريين وسودانيين وصوماليين يخططون لأعمال تستهدف مناطق حيوية في القاهرة. وقال اللواء نبيل أبوالنجا الخبير العسكري المصري، إن التهديد من ناحية الجنوب يعد قائما وكبيرا، واختراق الإرهابيين لتلك المناطق يكون إما عن طريق منطقة جبل العوينات التي تمثل مثلث الحدود المصرية الليبية السودانية، وإما عن طريق العناصر الإرهابية التي يتم تدريبها في منطقة واحة جغبوب الليبية بالقرب من الحدود مع مصر، وتتسلل عبر تشاد والنيجر والسودان وصولا إلى الحدود الجنوبية المصرية. وأضاف لـ”العرب”، إن تسلل العناصر الإرهابية التي تأتي أساسا من المنطقة الغربية قبل أن تنتقل إلى الجنوب يتم من خلال وجود غواصات نقل فردية من البحر المتوسط أو البحر الأحمر ومن خلال السواحل المفتوحة في منطقة خليج السويس وخليج العقبة. وأوضح أن التهديد الجنوبي يبرز بشدة حاليا في منطقة القرن الأفريقي أيضا (إريتريا والصومال وجيبوتي وإثيوبيا)، تحديدا بعد التواجد التركي في المنطقة والذي قد يكون داعما لتحرك العناصر الإرهابية. وتواجه مصر تهديدات الإرهاب عبر إجراءات عسكرية من بينها إنشاء مطارات عسكرية في منطقة حلايب وشلاتين التي تسيطر عليها، والتي تعد أحد أسباب الأزمات التي تندلع بين مصر والسودان. كما تم الشروع في تدشين قاعدة عسكرية جديدة بالقرب من مثلث أبورماد القريب من شلاتين (جنوبا)، وهي المنطقة التي تضع فيها القوات المصرية حاملة الطائرات مستيرال وطائرات الرافال، وتهدف أساسا إلى تأمين منابع النيل المصرية، ثم الشروع في المزيد من الترتيبات العسكرية في دول قريبة من القرن الأفريقي. ولفت أبوالنجا إلى أن مصر اتخذت أيضا عددا من الإجراءات الاستباقية لتأمين المناطق الجنوبية من ضمنها تدشين الأسطول البحري الجنوبي والتوسع في قاعدة “برنيس” البحرية (جنوب البحر الأحمر)، بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لإدارة عدد من الجزر ليست بعيدة عن جزيرة سواكن، وقرب منطقة باب المندب لمواجهة التهديدات المحتملة، من إيران أو تركيا. وتسعى مصر والسعودية إلى الوصول إلى تفاهمات أمنية حول منطقة البحر الأحمر وسبل حمايتها للرد على تركيا ومحاولتها فرض نفسها بالتحكم في مناطق حيوية تطل على البحر الأحمر. وبحسب عسكريين، يتأثر غياب التنسيق الأمني بين مصر والسودان بتوتر العلاقات خلال الأشهر الماضية، وربما يتزايد خطر تهريب السلاح إلى صعيد مصر عبر الحدود الجنوبية خلال الفترة المقبلة، كما أن السودان قد يلعب دورا متصاعدا في دعم معارضين ينتمون إلى جماعة الإخوان في إطار المكايدة السياسية للقاهرة. وأعلنت الأجهزة الأمنية المصرية في أكتوبر الماضي، عن إلقاء القبض على ثلاثة أشقاء في محافظة قنا (جنوب) بحوزتهم 100 بندقية متنوعة منها بندقيات قنص إلى جانب 20 ألف رصاصة. وأكدت اعترافات المقبوض عليهم أن الأسلحة وصلت إليهم مهربة من السودان. انعكس ذلك أيضا على وتيرة العمليات الإرهابية في صعيد مصر خلال العام 2017، والتي وقعت خلالها خمسة حوادث إرهابية في مناطق متفرقة. ولم تقتصر عمليات التهريب عبر بوابة السودان على السلاح فقط، بل هناك رواج أيضا للمخدرات وتهجير الأفارقة الذين يتخذون من مصر معبرا لإسرائيل والبعض من الدول الأوروبية.
مشاركة :