مكافحة الإرهاب مجتمعيا تسير عكس الاتجاه في مصر بقلم: أحمد جمال

  • 8/11/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

مكافحة الإرهاب مجتمعيا تسير عكس الاتجاه في مصرفرضت الطريقة التي تواجه بها الحكومة المصرية التنظيمات الإرهابية، منح دور كبير للمؤسسات الدينية لمواجهة تمدد المتطرفين مجتمعيا، لكن بدلا من أن يسهم ذلك في التعامل بصورة محكمة فكريا، بدا أنها تسير في اتجاه معاكس، فانشغلت المؤسسات عن وضع أهداف واضحة لرسالتها التي تريد توصيلها للجمهور، وكشفت ظهرها للمتطرفين فأطلقوا سهام النقد عليها بوقاحة بسبب تراكم الأخطاء والحياد عن الأهداف المطلوبة.العرب أحمد جمال [نُشر في 2017/08/11، العدد: 10719، ص(13)]أكشاك الفتوى وأسئلة الجدوى ظهرت هذه الإشكالية بعد أن تمددت أدوار مؤسسات الأزهر والأوقاف والإفتاء، وأضحت تقوم بأدوار بديلة لمؤسسات حكومية خدمية في مجالات عدة، وعبرت عن رغبة عارمة للذهاب إلى أبعد من ذلك، ومحاولة جذب أكبر عدد من الجمهور إليها، من خلال تقديم مساعدات مادية وعينية إلى فئات فقيرة في المجتمع. ومع أن تلك المهام تعبّر عن رؤية لسد الفراغ الذي تركته مؤسسات المجتمع المدني عقب تضييق الخناق عليها، إلا أن تزايد التواجد بمناطق كانت تمثل نفوذا لتنظيمات إسلامية راديكالية، على وشك أن يعيد إنتاج مشكلات تضر بقيم المواطنة. وتشارك وزارة الأوقاف المصرية في توزيع السلع الغذائية على الفقراء في جميع المحافظات، وتقدم منحا مالية ضمن مشروعات لخدمة الأسر الأكثر احتياجا بالتركيز على المسلمين، وشهدت الأيام الماضية انتشارا مكثفا لسيارات بيع السلع التموينية في أماكن كثيرة، تقدمها بأسعار مخفضة، حملت اسمها بالتعاون مع وزارة التموين، في محاولة لجذب القطاعات الفقيرة لجانب الحكومة، مستخدمة الطريقة ذاتها التي أدمنها الإخوان والسلفيون. ويساهم الأزهر في إنشاء العديد من المستشفيات بالتعاون مع السلطات المحلية في عدد من المحافظات، واعتاد خلال العامين الماضيين إرسال قوافل طبية إلى مناطق كثيرة، وأطلق مؤخرا ما عرف بـ”أكشاك الفتوى” داخل محطات مترو الأنفاق لتلقي أسئلة المواطنين والرد عليها، وهو ما أثار جدلا واسعا بشأن الجدوى منها ومساهمتها في إبراز صورة الدولة الدينية لتحل كبديل عن مدنية الدولة. وشهدت محافظات مصرية عديدة مشاركة بعض شيوخ الأزهر والأوقاف في عدد من الاجتماعات المحلية، وهو أمر لم يكن معتادا من قبل، وأصبح مبررا في الوقت الحالي لمتابعة سير الأنشطة التي تقوم بها المؤسستان الدينيتان، ومحا استياء من قبل بعض الأقباط الذين فضلوا الصمت والانزواء. وقال عباس شومان وكيل الأزهر بعد أن شارك في اجتماع بحضور قيادات محافظة الفيوم (جنوب القاهرة) “إنه يأتي ضمن الدور الاجتماعي، الذي يقوم به الأزهر في كافة محافظات مصر من خلال إرساله القوافل الطبية والمساعدات الإنسانية، وما تقوم به لجنة المصالحات من جهود متوالية للقضاء على عادة الثأر في المحافظات المصرية”. وبحسب العديد من المراقبين، فإن تنامي الدور الخدمي للمؤسسات الدينية الرسمية لا ينعكس سلبا على إرساء قيم المواطنة داخل المجتمع فحسب، لكنه يهدد الوطن نفسه، لأنها تفشل في قيامها برسالتها الرئيسية والمرتبطة بحماية الوعي الإسلامي، وتترك ذلك لتنظيمات إسلامية متشددة، بما يمثل تهديدا للأمن القومي المصري. القصور الذي تعانيه تلك المؤسسات في تجديد الخطاب الديني ومواجهة الأفكار المتطرفة يفرغ أدوارها المجتمعية من الهدف الأساسي المرجو منها والمتعلق بشغل فراغ التنظيمات المتشددة، ويصبح الأمر كأنه استبدال شخص مكان آخر من دون أن يكون هناك اختلاف جوهري في الأفكار والرؤى، وقد يعود بالإيجاب على المؤسسة الدينية ذاتها وضد المصلحة الوطنية بشكلها الأوسع.تجاوز أي مؤسسة دينية لدورها يفتح الباب أمام مطالبات المؤسسات الدينية غير الإسلامية بالقيام بالدور ذاته وأكد رفعت السعيد رئيس المجلس الاستشاري لحزب التجمع المصري، لـ”العرب”، أن تجاوز أي مؤسسة حكومية أو دينية دورها الذي رسمه لها القانون يؤدي إلى خلل مجتمعي، ما يفتح الباب أمام مطالبات المؤسسات الدينية الأخرى غير الإسلامية (المسيحية تحديدا) للقيام بالدور ذاته. وأضاف أن استفادة الجهات الحكومية من الإيرادات غير المرئية التي تحصل عليها تلك المؤسسات ينبغي أن تتم بشكل يضمن عدم التفرقة بين ديانة وأخرى، وتكون هناك إجراءات ضابطة لطبيعة توزيع تلك الإيرادات بالشكل الذي يضمن مدنية الدولة، لأن غياب تلك الإجراءات يساهم في ممارسة هذه الأدوار على نطاق أوسع، ويخلق مشكلات طائفية لرغبة كل منها بالانتشار بالشكل الذي يحقق طموحه المجتمعي. ويؤكد الأزهر دائما على خصوصية العلاقة بين المؤسسات الدينية وبين المجتمع من خلال التداخُل الكبير والمؤثر بينهما، كما أن البنية الدينية للشخصية المصرية تلعب دورا مهما في هذا التلاقح. وبالتوازي مع ذلك تمت الموافقة على مجموعة من المبادئ التي ترفض المساس بالمواطنة وبحقوق الآخرين، وعلى رأسها إعلان المواطنة الذي تم تدشينه في فبراير الماضي، وقبله وثيقة الحريات العامة التي صدرت عام 2012. غير أن العديد من المهتمين بشأن جماعات الإسلام السياسي، يرون أن تلك المبادئ تظل حبرا على ورق، في وقت تتعامل فيه الدولة بشكل رسمي مع المشكلات الطائفية من خلال الجلسات العرفية التي تترك آثارا سلبية لفشلها في حل المشاكل من جذورها، واتخاذها مسارا بعيدا عن القانون الذي من المفترض أن يسري على الجميع. وخلال شهر يوليو الماضي قدم الدكتور محمد عبدالفضيل عضو مركز الحوار بالأزهر، ورقة بحثية تحت عنوان “دور الدين في الدولة المدنية – مصر نموذجا”، في المنتدى البحثي الألماني- المصري الثالث، بالتعاون مع الهيئة الإنجيلية بمصر. وخلص البحث إلى أن الفصل التام بين المؤسسات الدينية والحياة العامة على النمط السائد في بعض دول الغرب، يمثّل إضعافا للدين وإقصاء له، ويحرم المجتمع من الاستفادة من الطاقة الإيمانية الضخمة، التي يمكن أن تعدّ عنصر ثراء يغني المجتمع ويسهم في نهضته، على أن تواكب تلك الطاقات العقل المؤمن من ناحية أولى، والمتأثّر بالطبع بظروف العصر وتوالي المستجدات من ناحية أخرى. وقال عبدالجليل الشرنوبي الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، لـ”العرب”، إن المشكلة الأساسية ليست في طبيعة الدور الذي تؤديه تلك المؤسسات، وإنما في التحولات التي شهدتها خلال النصف قرن الماضي، بعد أن أضحت مؤسسات وظيفية تحكمها عقلية الموظف وليست عقلية صاحب الرسالة. وأضاف أن العلاقة بين هذه المؤسسات تحولت تدريجيا إلى علاقة تنافسية في إطار وظيفي يسعى كل منها لإثبات حضوره على الساحة وقدرته على التفاعل مع المنظومة العامة الإدارية للدولة. ويذهب البعض للتأكيد على أن التحول ساهم في إضعاف تلك المؤسسات وأصابها بالجمود وجرى الاكتفاء الوظيفي داخل بدن الدولة، كما أنه انعكس على نمو التنظيمات الإرهابية، لأن الأداء الوظيفي أخل بالدور الدعوي وخصم من رصيد تلك المؤسسات في وقت يظل فيه المواطنون العاديون بحاجة إلى من يحرر لهم دينهم، ويقدم لهم فقها جديدا للواقع، فسارت عملية مكافحة الإرهاب بهذه الطريقة عكس الاتجاه. وأوضح الشرنوبي أن إدارة الأزهر لم تستطع تقديم رؤية إستراتيجية لتطوير الفعل الدعوي على مستوى كامل المؤسسات الدينية وربطه بالدور الاجتماعي والخدمي، فصارت جميع المؤسسات الأخرى (دار الإفتاء ووزارة الأوقاف) تعمل بمعزل عن المؤسسة الأم، ما أدى إلى وجود تحركات مجتمعية تفتقر إلى أهداف إستراتيجية تتحرك من خلالها. وبالتالي فقدت دورها المطلوب في عملية تنوير المجتمع، وأعطت من حيث لا تدري الجماعات المتطرفة السيف الذي تخترق به المجتمع مرة أخرى، ناهيك عن الإخلال الفاضح بقيم المواطنة، وهو ما يمثل نواة لفتن من نوع جديد.

مشاركة :