الطفل بين «الحقوق».. و«العقوق» (1 ــــ 2)

  • 7/1/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الأطفال ليسوا مجرّد «فلذات أكبادنا» تمشي على الأرض (كما درج أجدادنا العرب على القول)، بل هم يتبوَّأون مكانة أكبر من هذا بكثير على الصعيدين القومي والمجتمعي. إنهم بلا أي مبالغة: امتدادنا في الوجود، وقدرُنا في حفظ بقائنا وطنا وكيانا سياسيا وسيرورة تاريخية. وقد استجابت الأمم المتحدة للمكانة الرفيعة التي تحتلها الطفولة في الوجدان الجمعي لبني البشر، فطورت منظومتها لحقوق الإنسان عامةً، وفي القلب منها حقوق أطفال العالم، وواصلت جهودها على مدى العقود الثلاثة السابقة لوضع الاتفاقيات والصكوك التي تعمل على توفير كل أشكال الحماية للأطفال ضد الانتهاكات التي يتعرّضون لها في السلم والحرب في أغلب مناطق المعمورة، إذ اعتمدت الجمعية العامة للمنظمة الأممية اتفاقية حقوق الطفل في 20 نوفمبر 1989، ولم يكتمل العام حتى دخلت حيز النفاذ (في سبتمبر 1990)، وهذه الاتفاقية تحظى بالإجماع العالمي، فباستثناء دولتين اثنتين، هما الولايات المتحدة الأميركية والصومال، حظيت الاتفاقية بعضوية كل دول العالم. ومعروف أن اتفاقية حقوق الطفل تتضمن 54 مادة بالإضافة إلى 3 بروتوكولات اختيارية (أحدها يتعلق بإشراك الأطفال في المنازعات المسلحة، والآخر ببيع الأطفال واستغلالهم في البغاء، في حين يُعنَى الثالث بالشكاوى الفردية)، وتمثل الاتفاقية أول وثيقة قانونية دولية تُلزم الدول الأطراف بحفظ الحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية للطفل، وقد بلغت أهمية هذه الوثيقة أنها حظيت بمصادقة 196 دولة، أي أكثر من عدد الدول التي انضمت إلى منظومة الأمم المتحدة، أو حتى الدول التي اعترفت باتفاقيات جنيف. وتتولى لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة CRC مسؤولية المراقبة لتنفيذ الاتفاقية، واللجنة مكوّنة من 18 خبيراً وخبيرة من المستقلين، يضطلعون برصد ومتابعة تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل من جانب الدول الأطراف، كما يرصدون تنفيذ بروتوكولين اختياريين للاتفاقية متعلقين بظاهرتي إشراك الأطفال في المنازعات المسلحة OPAC، وبيع الأطفال واستغلالهم في البغاء OPSC، إذ تلتزم جميع الدول الأطراف بتقديم تقارير منتظمة للجنة عن كيفية إعمال الحقوق وتنفيذ القوانين الأممية ذات الصلة بحقوق الأطفال. وقد كان لي شرف الترشيح من قِبل معهد جنيف لحقوق الإنسان لدورة تدريبية متقدمة (عليا) في الفترة من 15 ــــ 19 من شهر مايو الماضي، تعرفت خلالها من كثب على الآليات الدولية لحقوق الإنسان، وبالأخص «آلية عمل لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الطفل» المعروفة باسم CRC، حيث كان لي الحظ في حضور مناقشة تقرير الولايات المتحدة الأميركية في البروتوكولين الملحقين، وكذلك مناقشة تقرير الجمهورية اللبنانية أمام لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدة في قصر ويلسون بمدينة جنيف. وقد استفدتُ الكثير من مناقشة هذه الدورة المهمة، وأكبر فائدة تمثلت في أنني لمستُ – من قريب – كيف يحتل الأطفال وحقوقهم وهمومهم وقضاياهم مساحةً واسعة وعميقة من عقل «العالم» وقلبه.. ومن ثم ساءلت نفسي: هل نجحنا نحن العرب في وضع أطفالنا في المكانة ذاتها كما تُملي المعاهدات والمواثيق الأممية، وهل نحن موقنون بأن علاقتنا بأطفالنا تقوم على الحقوق.. وليس على «العقوق»؟! ونكمل في المقالة المقبلة. أ.د. معصومة أحمد إبراهيمDr.masoumah@gmail.com

مشاركة :