الطفل بين «الحقوق».. و«العقوق» (2 من 2)

  • 7/3/2017
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

كنتُ قد شرعتُ في المقال السابق في الحديث عن الدورة التدريبية المهمة التي حضرتها في معهد جنيف لحقوق الإنسان، وأيضاً حضوري مناقشة تقريري الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية اللبنانية أمام لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدة، حيث تعلمتُ الكثير، وتساءلت أكثر عن مستقبل أطفالنا – في المنطقة العربية – الذين يواجهون أشرس منظومة من المخاطر التي تتكالب على حرمانهم من أبسط حقوقهم في حياة متوازنة وآمنة ومستقرة تلبَّى فيها مطالبهم الأساسية من الطعام والتعليم والصحة والمعيشة في كنف عناية أسرية مناسبة.. إلى آخر هذه السلسلة من الحقوق التي نعلم جميعاً أن نسبة كبيرة من الأطفال العرب محرومون من حدها الأدنى، إلى حد أن الحروب المشتعلة في بقاع عدة من وطننا العربي لم تسلبهم فقط لقمة العيش وثوباً مناسباً وقرص دواء ومقعداً في المدرسة، بل إن هذه الحروب انتزعتهم، أيضاً، من أحضان أمهاتهم، وألقت بهم في أتون الصراع، وأجبرتهم، هم أنفسهم، على أن يكونوا مقاتلين في معارك لا يفهمون لها دلالة ولا مغزى!! لقد دار النقاش في قصر الأمم المتحدة، حول مدى التزام الدول الأطراف بالعمل على تعزيز حقوق الطفل وحمايته وتربيته في كنف السلم والأمن، والالتزام بعدم تجنيد من هم دون سن الـ15 سنة، بحيث يقع المخالفون تحت طائلة قانون «جرائم الحرب»، وتطبق العقوبات على الدولة أو الجهة المعنية في الصراع وفقاً لبنود النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. كما تضمَّنت النقاشات، أيضاً، أن الجريمة يجب أن تنسحب على تجنيد كل من تقل أعمارهم عن 18 عاماً، ومن ثم تتعين مطالبة كل الدول بحماية الأطفال دون هذه السن من التجنيد والتدريب العسكري. ومهما يكن نبل القوانين ورحمة التشريعات بفئة الأطفال المعذبة، التي تكون أول المتضررين من الحروب، فإن هذه القوانين تظل قليلة الفاعلية ما لم تُعزَّز المنظومة الرقابية، بآليات للضغط على الدول والجهات المتورطة في الحروب لإجبارها على وضع الأطفال نصب أعينها في الحرب والسلم على السواء، وجعل حمايتهم في صدارة أولويات جميع الأطراف بلا أي تهاون. وتتعالى أهمية هذه المطالب في ظل ما تشهده دول المنطقة، ومناطق أخرى من العالم من انتهاكات مشينة لحقوق الملايين من الأطفال الذين يعانون واقعاً طافحاً بالقتل والدمار والتشرد والتهجير والحرمان من التعليم والصحة، وسط أفق مسدود وعدمي، والأضرار الأكثر جسامة تلك التي تتعرض بانتهاك كرامة الطفولة والإنسانية للأطفال.. فمن يقف لمساندتهم ولحماية حقوقهم المهدرة؟ ومن الذي يحفظ حقوقهم؟ والأمر الأهم أن الانتهاكات البشعة لحقوق الأطفال وقت الحرب يجب ألا تُلهينا عن انتهاكات كثيرة يتعرضون إليها وقت السلم أيضاً، حتى وهم في كنف عائلاتهم، وفي ظل انخراطهم في المنظومات التعليمية، من ظروف معيشية سيئة وعنف جسدي، واعتداءات جنسية، وهم يواجهون كل هذا من دون أي وسيلة يمتلكونها للذود عن أنفسهم! نحن جميعاً مسؤولون عن أطفالنا وأطفال غيرنا، كل وفق قدراته ومكانه ووظيفته، وعلينا جميعاً حماية حقوق كل الأطفال، فانتهاك كرامة طفل واحد هو انتهاك لكرامة المجتمع قاطبة.. ومن ثم يتعين تنسيق جهود كل المؤسسات الحكومية المعنية بالطفل كوزارات الداخلية والشؤون والإعلام والصحة والتربية والأوقاف، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني من أجل حماية الأطفال ودعم أسرهم لتربيتهم التربية الصحيحة والرشيدة.. كي نحافظ، على امتداد وطننا، على أجيال صالحة متسامحة متفائلة. إن أطفالنا ليسوا فقط «فلذات أكبادنا»… بل هم أيضاً فلذات أكباد الوطن! أ.د. معصومة أحمد إبراهيم Dr.masoumah@gmail.com

مشاركة :