لا شك أن الانتصار على «دولة الخلافة» والوجود «الداعشي» في الموصل، أفرح الكثيرين وبالأخص ممن عانوا من تحكم الإرهابيين في حياتهم، وتحويلها إلى جحيم وعذاب مستمرين، وعانوا كذلك من السبي والاغتصاب والقتل الوحشي والتشريد.إلا أن هذا النصر برأيي يظل معنوياً في معركة واحدة، إذ لا تزال الفلول والجيوب متواجدة، ولا تزال أفكار «داعش» التكفيرية منتشرة في الدول الإسلامية والأوروبية، وخطر الأعمال الإرهابية الفردية ماثل، وهو ما نشهده في شكل يومي من أعمال تفجير ودهس وطعن وغيرها، في الدول الأوروبية.والأهم من ذلك، لم يتم المساس بالمصانع التي تفرّخ مثل هذه العقول، والمتمثلة في المدارس الدينية المنتشرة بكثرة في الدول الإسلامية، وكذلك جماعات الغلو والتشدد الديني التي تلاقي الحظوة لدى حكوماتنا، وتمكن هذه الجماعات من الإمساك بمفاصل مؤسساتنا الحيوية، مستندة إلى إمبراطوريات مالية مهولة، والأهم سيطرتها على عقول أبنائنا من خلال مناهج التعليم التي فرضتها على حكوماتنا، والسيطرة على العملية التعليمية، وانتشار جمعياتها وأفرعها التي لا تعد ولا تحصى بأسماء مختلفة.إن التشدد والغلو والتطرف لا يبدأ بحمل السلاح، ولكنه يبدأ بفرض ثقافة التشدد وتغيير نمط الحياة والسلوك والأفكار، من حياة مدنية عصرية إلى حياة لا تمت للعصر بصلة. فبعد عقود طويلة من التغاضي والانحياز الحكومي لهذه الجماعات، وسنوات من التخاذل والجبن في مواجهة أجنداتها التخريبية، أصبحت لها سطوة كبيرة على مجتمعاتنا، بل أصبحت دولاً داخل دولنا، فليس مهماً إن خسرت معركة هنا أو هناك، فقد بذرت ثقافتها وامتدت جذورها في تربة مجتمعاتنا، التي ستستمر طويلاً متغلغلة في بنية أفكارنا.نحن نعلم أن للدول الكبرى يداً طولى في وجود الإرهاب واستمراره، بل تكشف التقارير الغربية وجود عناصر استخباراتية تقاتل مع «داعش» والجماعات الإرهابية، لكننا سنكون قصار النظر إذا حملنا الغرب وحده هذه المصائب، فمجتمعاتنا بيئة خصبة تستمد منها المخابرات الغربية خططها لتقسيمنا، وهو آت بلا ريب إن لم نتخلص من التبعية ومن ثقافة التشدد والتطرف بكل أنواعه.نحن بالتأكيد نبارك للعراق التخلص من حكم «دولة الخلافة»، لكننا في الوقت نفسه، نقول إننا لم نقضِ على المنابع ولم نقضِ على الثقافة، ولم نتحرر بعد من الإرهاب الفكري ونمط الحياة المتخلفة التي فرضتها الجماعات الإسلامية المتشددة.osbohatw@gmail.com
مشاركة :