تدور الأيام دوماً على الأبواب.. مثلها مثل تلك المشاهد المتحركة في الحياة.. ليس بإمكان أي منا وقف تواترها.. أو حركتها.. يذوب النهار بين أصابعك.. ويتساقط في نهايته.. كما يتهاوى الماء إن حاولت القبض عليه بين راحتيك.. أو التماهي بقدرتك على الإمساك به..! على المدى الذي تعرفه ولم تعرف أغلبه.. اعتدت على أن تُعفي نفسك من التوقف في مكانك فأنت حالة متحركة مثلك مثل آيامك..! اعتدت دوماً أن تتعامل مع كل النهارات الذائبة.. والغائبة والمغادرة والباهتة.. والمشرقة.. والفارغة..! وتلك التي كان الربيع علاماتها..! وتلك الأيام التي تحصّنت فيها بإحساس كل شيء يدوم.. إلى الأبد..! وتلك التي اعتقدت أنه لن تحل ذكراها..! وتلك التي لامست بوجودها فيضا من الألم..! وتلك الأيام التي فُرضت عليك إلزامياً.. لتذهب معها أبعد من هواجسك..! وتلك الأيام التي غادرتها متوسداً توحش تجربتها..! وتلك الأيام التي لم تهدأ جبهاتها..! وتلك الأيام التي غمرتك أسئلتها.. ولكنك غيّبتَ إجاباتها..! وتلك الأيام التي ضجتْ بفوضاها وصخب تفاصيلها..! وتلك الأيام التي اعتقدت أنها متوفرة دوماً.. وأن مرفأها ينتظرك غداً بعد أن ينتهي يومك..! وتلك الأيام التي اعتاد أحدهم أن يتوهمها باقية مدى الحياة وكأنها كنز لايتعرض للفناء..! وتلك التي لامست فيها خيانة الأقربين.. وألم تلك الضربات التي لم تكن تتوقعها أو مستعداً لها..! وتلك الأيام التي ظلت إجاباتها علامات استفهام قائمة...! تعرف أنه ليس بإمكانك إيقاف ذلك الدوران.. أو البحث عن سكن إضافي لاتدور أيامه.. ولايمكنك استلهام حقيقة قاسية ومضيئة أقرب من حقيقة الحياة وأيامها.. والتي لايمكن انتقاء بعضها والقفز على البعض الآخر..! أو محاولة اصطفاء بعضها أياما واستقبالها.. والتمرد على أيام مأزومة ومتآلفة مع أوجاعها..! يقول أحدهم (آيامنا ظل على الأرض .. ويوم لاتظلله الغيوم يوم سعيد كله) ولذلك علينا الاستقواء باليوم الصحو.. والاستمتاع بنسائمه الخاصة.. وكأنه العمر الممتد..! ولكن هل نبقى ندين لذلك اليوم دون غيره من تلك الأيام التي حملت سيرتها وتنقلت بلا حساب..؟ هل نبقى دون تصالح مع امتداد ذلك الأفق الإنساني المفتوح بأحكامه التي كلما استنفدها طبقها مرة أخرى..؟ في الحسابات الإنسانية علينا أن نبقي في دواخلنا جبهة واحدة "باردة" مهما كانت النيران مشتعلة حولنا..! وعلينا أن نمتلك قدرة التنقل من الموقع وترك مساحات ولو محدودة للاختيار الحر المعفي من التعثر والوجع والنظر "إلى ماتحت القدمين فقط "..! ورغم كل الأيام الوافرة في الحياة يستحيل أن تحيا في الترف كاختيار.. أو تحذف جزءاً من العمر تعنتّت أيامه.. فقط عليك أن تُحب الحياة ليس لأنها صدى للآيام.. أو لأنه يلزمناالحضور الدائم بها، ولكن لأن لناالحق أن نحيا وأن لا نختصر الحياة " في كل الأيام التي علينا مساءلتها" لتغييب أحلامنا التي عوّلنا عليها .. وإذابة أحلامنا..! رغم كل هذا الدوران علينا أن نشعر دوماً بالامتنان الى الحياة .. بكل صعوباتها وبحضورها.. وبتبادل ادوار الترويض .. وكأنه عبور لكل ما هو صعب ولزوم لتلك المعرفة ..! تدور الأيام كعادتها.. ولكن علينا أن نقبل بها ونعتاد دورانها.. وكما يقول أحدهم ( لقد تعلمت القبول بأحكام الحياة)..!
مشاركة :