الرقمي يتيح خيارات لا حصر لها، كما أنه في تطور دائم، يتمّ في جزء منه عن طريق التهجين، أي الخلط بين التقنية والفن، بين الحداثة والقدامة، صحيح أن هذا المفهوم ليس جديدا تماما، فقد وقع اللجوء إليه من قبل، ولكنه مع الفن الرقمي يتخذ حجما أكبر وأشكالا أكثر، ويعيد إلى الفن التقنية التي فقدها، ولكنها هذه المرة تقنية تنتمي إلى نظام جديد، ونعني بها تقنية المعالجة الآلية للمعلومة، عن طريق آلة تستعمل اللغة لأول مرة في التاريخ، فتخلق هجانة تفتح على احتمالات لا حدود لها. والمعلوم أن الفن الرقمي يتخذ عدة أشكال مختلفة، من بينها: أولا، ثلاثية الأبعاد، وهي تقنية متولدة عن الإعداد المنجز بواسطة الكمبيوتر، على نحو يسمح بتمثل الأشياء على الشاشة في شكل أحجام، وهي تقنية مستعملة كثيرا في صناعة التحريك السينمائي. ثانيا، المعالجة البيانية الرقمية وهي إنجاز صور مركبة متأتية من فضاء رقمي. ثالثا، النحت الرقمي وهو عبارة عن نحت ثلاثي الأبعاد. ورابعا، الرسم الرقمي وهو عبارة عن خلق صورة على شاشة بيضاء بفضل قلم رقمي أو مَلْون تخطيطي. وبصفة عامة، توفر الأدوات الرقمية إمكانات لا حصر لها على صعيد الخلق (كتعدد الألوان والأشكال والفروق الضوئية ومؤثرات الأبعاد) ما يسمح بتدارك بعض الهنات، وتحرير الإرغام المتصل بمسار خلق خطي (إمكانية فسخ واستئناف الإبداعات إلى ما لا نهاية في زمن قياسي)، ولكنها لا تجعل من مستعملها عبقريا، فالمهارة في استعمالها لا تصنع وحدها موهبة. شيء آخر لا يزال يعوق بروز الفن الرقمي إلى الواجهة، عدا الموقف “الرسمي” بطبيعة الحال، ونعني به اعتماده أساسا على الأروقة الرقمية التي تسمح بمشاهدة الأعمال على الشبكة، إلى جانب لجوئه إلى وسائط مادية كالطباعة الرقمية ذات الأحد عشر لونا، والطباعة ثلاثية الأبعاد، في انتظار “الفن الرقمي ثلاثي الأبعاد”. ولسائل أن يسأل: أي تطورات عميقة أدخلتها التكنولوجيات الرقمية في نمط الإنتاج، والتوزيع، والمحافظة على الأعمال في سوق الفن، وفي العلاقة السرية، والحرجة، التي باتت قائمة بين الفن والعلم؟ وكيف يمكن تصور العلاقات بين الفن والثقافة والتكنولوجيا في عصر الصناعات الرقمية المعولمة؟ كل ذلك يشهد مخاضا شبيها بما يحصل عند كل نقطة فارقة، فالمعروف أن كل حركة فنية جديدة تحاول أن تقطع مع السائد، وتتخلص من الماضي لتعانق الحداثة، وتمعن في التنظير، بحثا عن خطوط سير جديدة، ومفاهيم غير مسبوقة، وتكنس كل ما تعتبره من مخلفات “الكلاسيكية”، بيد أن الفن الرقمي له من السعة ما يجعل الإحاطة به أمرا صعبا، إذ إنه يُبتكر على صعيد عالمي، في شتى أنحاء المعمورة، بفضل الإنترنت والعولمة وما تروجه الشركات العملاقة من برمجيات. وبعض الملاحظين يتنبؤون له بالسيادة في عالم نابتْ فيه الآلةُ عن البشر، ويؤمنون بأنه سيكون فن الألفية الثالثة بلا منازع، فيما يضع آخرون دوام هذا الفن موضع شك، لأنه كسائر الأعمال التي تعتمد على الإنترنت وتوزع عبر المواقع الإلكترونية، يزول بزوال لحظته، مثل الموضة.
مشاركة :