تناولت صحافة دولة عربية شقيقة (وكل الدول العربية شقيقة لكونها تعاني من الشقيقة) بإسهاب خلال الأيام الماضية مأساة انتحار عمرو م. ع. الذي هام بحب شابة اسمها منى، وتقدم طالبا الزواج بها، ولكن أهلها رفضوه. فصعد عمرو على درجات الهيكل العلوي لأحد الجسور ذات الهيكل الحديدي، وشنق نفسه، في مشهد مروع شهده عشرات الآلاف، الذين فشلت محاولاتهم لإنقاذه، وأؤكد مرارا في مقالاتي أنني لا أعتبر كل من ينتحر جبانا يتهرب من مواجهة المواقف الصعبة أو ضعيف الإيمان، بل قد يتم اتخاذ قرار الانتحار في لحظة غياب العقل، وحتى القتل العمد في غياب العقل يعفي الجاني من عقوبة الإعدام، وحكاية عمرو هذه تؤكد صحة استنتاجي هذه، فقد كان من بين الأسباب التي رفضت أسرة الحبيبة منى تزويجه لها أنه قليل الحيلة المالية، فاجتهد لتحسين وضعه المالي وصار يعمل سائقا وخطاطا في أوقات فراغه، ولكنه فوجئ بعائلة الحبيبة تبلغه بأنه حتى لو صار ميسور الحال فإنهم لن يزوجوها له لأنه متزوج سلفا بل ومنذ عشر سنوات، وإن كان بلا ذرية.. يعني عمرو – زاد الله في إحسانه إذا كان محسنا وتجاوز عن سيئاته وخطاياه إذا كان مسيئا مخطئا – كان يريد الزواج بمنى لأنه أحبها فعلا ولأنه كان يحلم بأن يكون صاحب عيال.. وشهد كل من يعرفه بأنه كان شديد التدين ومهذبا وخلوقا وعف اليد واللسان، ولكن بعد رفض أسرة منى له تبدل حاله وأصيب بحالة اكتئاب حادة واضطرابات نفسية مدمرة قادته إلى الانتحار بتلك الطريقة العجيبة على مرأى من الآلاف المؤلفة بعد انتحار عمرو بأيام قليلة انتبه المارة إلى شاب يتسلق درجات نفس الجسر الحديدي، وبلا تردد نجحوا في الإمساك به ولم يكونوا متأكدين من أنه يعتزم الانتحار، ولكن حادثة عمرو كانت ما تزال ماثلة في الأذهان، ولكن تأكد لهم أنه كان بالفعل يعتزم الانتحار لأنه صاح غاضبا: أتركوني أموِّت نفسي، ولكنهم لم يتركوه يموت نفسه، فانصرف قبل أن يأتي رجال الشرطة!! واتضح بعد التحريات أن هذا الشاب حصل على دبلوم تجارة بالعافية وبالتالي لم تكن له وظيفة تسمح له بالزواج بشابة ارتبط بها عاطفيا.. المهم.. توجه صاحبنا من الجسر الذي حاول فيه الانتحار أول مرة إلى جسر آخر، لتنفيذ خطته، ولكنه غيَّر التكتيك، أي استبعد شنق نفسه ثم: واحد، اثنان، ثلاثة.. هوبا وقفز الى النهر، ول سوء حظه كان هناك زورق يمر أسفل الجسر وتم إنقاذه من الغرق تعالوا أشرح لكم لماذا قلت إنه كان سيء الحظ لأنه وجد من ينقذه الموت: سألوه لماذا قرر قتل نفسه فقال: إن عمرو حبيب منى مات منتحرا وصار مشهورا، وأنه أراد ان يدخل سجل العشاق المشاهير الذي قتلوا أنفسهم بعد هجر الحبيب.. هذا هو اللي طلعنا به من شعر نزار قباني: قد مات شهيدا يا ولدي من مات فداءً للمحبوب!! الشاب الخائب في الحب والانتحار اسمه رفعت، وليس له من اسمه نصيب، والبون بينه وبين الرفعة شاسع.. والانتحار أقصى درجات عقاب النفس، وعندي وصفات سهلة لتعذيب النفس، وصولا الى الموت البطيء للراغبين في الموت فداء للمحبوب: شاهد فضائية حكومية لمدة خمس ساعات يوميا على الريق.. اقرأ البيانات الختامية لكل القمم العربية، وستصاب بنوبة قلبية وفشل كلوي وغازات في القولون والرئة.. ولو كنت فعلا تريد أن تموت شهيدا اهتف بسقوط الحكومة وخلي الباقي على الحكومة. رابط الخبر بصحيفة الوئام: هذا جناه علينا نزار قباني
مشاركة :