وقف (نزار قباني) على آلاف الأطنان من الشعر العربي في الحب والتغزل بالمرأة، جعلت منا الشعب الوحيد في العالم الذي يربط الحب بالعذاب والألم والاكتئاب واليأس والإحباط والجنون والموت وخراب البيوت، ويجعل الأنثى رمزاً للغدر والجفاء والخيانة، ومطيةً للشيطان والغواية والضلال! وكانت تلك الأطنان المُطَنْطَنَة تنظر للمرأة: إما روحاً أثيرية شفافة، لا وجود لها إلا في خيال ذكرٍ (مخبول)! وإما جسداً شهياً، يمضغه الذكر بحواسِّه الخمس، ثم يرميه كعلكةٍ ذابت حلاوتها في لعابه، ويبحث عن علكةٍ أخرى!! لم يجد من ينظر للمرأة (عقلاً)؛ فيقدم لها شعره قارباً تحمل عليه قضاياها الوجودية إلى بر الأمان والحقيقة الحرة كالشمس؛ فقرر (أبو توفيق) أن يكون هو ذلك الفارس المغوار، فتقمَّص دور (فرويد) وراح يفضح أولاً عقلنا الذكوري الباطن (الباطل)، الذي رمز له بـ(هارون الرشيد) بطل (ألف ليلة وليلة): واليومَ أجلسُ فوق سطحِ سفينتي * كاللصِّ أبحثُ عن طريق نجاةِ وأُديرُ مفتاح (الحريم) فلا أرى * في الظلِّ غير جماجمِ الأمواتِ أين السبايا؟ أين ما ملكت يدي؟ أينَ البخورُ يضوعُ من حُجُراتي؟ ويستنهض المرأة (العقل) بكل حماسة: فَمُكِ المُطيَّبُ لا يَحُلُّ قَضيَّتي * فَقَضِيَّتي في دفتري ودواتي: كلُّ الدروبِ أمامنا مسدودةٌ * وخلاصُنا في الرسمِ بالكلماتِ! وواجه من أجلها كل المناوئين الذكور، وآخرهم (كاظم الساهر) الذي شوَّه هذا النص الثوري الرائع، بتخلفه الثقافي (الذكوري) العريق! لكن الطعنةَ القاتلة جاءته من المرأة نفسها: كتب لها دستور جمهوريته الفاضلة في (يوميات امرأة لا مبالية)؛ لكنها رفضته وفضَّلت أن يعشقها كـ(جميل) ويغازلها كـ(عمر): قُلْ لي ولو كذباً كلاماً ناعماً * قد كادَ يقتلني بك التمثالُ! فأعلن رفضه القاطع: إنِّي لأرفضُ أن أكونَ مُهرِّجاً * قَزَمَاً على كلماتِهِ يحتالُ! وصبَّ حارقَ لومه على (تلك الأطنان برضو): قِصصُ الهوى قد أفسدتْكِ فكلُّها * غيبوبةٌ وخُرافةٌ وخيالُ الحبُّ ليس روايةً شرقيةً * بِخِتَامِها يتزوَّجُ الأبطالُ! وإلى هذه اللحظة لم تفهم المرأة العربية معنى الحب (النزاري)، الذي شرحه في تلك القصيدة، فهل يفهمه (ذكرٌ رجعي) ويلحِّنه ويغنيه؟؟؟؟ نقلا عن مكة
مشاركة :