في نهاية 2016، وإثر فوز دونالد ترامب بالرئاسة الاميركية وقرار بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الاوروبي، ألمّ الاحباط بأوروبيين كثر، وحسِبوا ان أفول الاتحاد الاوروبي بدأ. ولكن في الاشهر الستة الاخيرة، وعلى رغم ان الامور على حالها، التغيير كبير. فاستفتاءات الرأي تشير الى ان عدداً متعاظماً من الاوروبيين يراهنون على الاتحاد الاوروبي، اثر تحسن الاقتصادات الاوروبية وخسارة الشعبويين في هولندا ومهانة تيريزا ماي في الانتخابات الاخيرة. ويرى هؤلاء ان فرصة جديدة سنحت امام «الاتحاد» لشد اواصره، عوض انفراط عقده. ويأمل الاتحاديون الاوروبيون في ان تقنع اصلاحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ألمانيا بالاستثمار اكثر في اقتصادات منطقة اليورو. وخطط زيادة الاستثمار في الدفاع الاوروبي تتعاظم. ولكن التفاؤل الذي يتفشى في غرب اوروبا، يقابله فتور في شرقها. واحتمال انسحاب الاوروبيين الشرقيين من الاتحاد -على نحو ما دعاهم الرئيس التشيخي السابق فاكلاف كلاوس- ضئيل، على قدر ما هو احتمال خسارة فلادمير بوتين في انتخابات العام المقبل. ولكن كثراً في شرق أوروبا يتوجسون من المساعي الالمانية– الفرنسية الرامية الى ترتيب نظام اوروبا من جديد. فالحكومات في بولندا وهنغاريا تخشى ان يهدد تعزيز الاندماج السياسي الاوروبي أنظمتهما غير الليبرالية، ويتخوف شطر راجح من الاوروبيين الشرقيين من أن ينجم عن مبادرة ماكرون– مركل أوروبا منقسمة الى مستويين هم فيها مواطنون من الدرجة الثانية. وشطر راجح من دول اوروبا الوسطى هو خارج منطقة اليورو، وبلغاريا ورومانيا ليستا في منطقة حرية السفر، شنغن، والتنافسية في اقتصادات دول المنطقة هذه ركنها رواتب متدنية وضرائب غير مرتفعة. ويخشى سياسيو اوروبا الوسطى وبعض المستثمرين الاوروبيين الغربيين ان تطيح سياسات روّج لها ماكرون في حملته الرئاسية، مثل تنسيق الانظمة الضريبية في دول الاتحاد والاقتصاص من دول تصدر العمالة الرخيصة، نموذجَ الاعمال في اوروبا الوسطى. وعلى رغم ان شطراً راجحاً من نخب اوروبا الوسطى تنظر بعين الريبة الى سياسات ماكرون، يرى بعض هذه النخب ان سياسات الرواتب المتدنية هي ابرز اسباب مغادرة كثر مناطقهم. ففي بعض دول أوربا الوسطى، غادر اكثر من 10 في المئة من السكان اوطانهم للعمل في الخارج (غرب اوروبا). ويتوقع صندوق النقد الدولي ان تخسر دول اوروبا الوسطى واوروبا الشرقية والجنوب شرقية نحو 9 في المئة من ناتجها المحلي بين 2015 و2030 إذا بقيت نسبة هرب اليد العاملة على ما هي عليه اليوم. ويترتب خطر استراتيجي على انقسام اوروبا طبقتين (درجتين) أو مستويين. وكانت حوادث صغيرة وقعت اخيراً مرآةَ قلقِ الاوروبيين الشرقيين من أن يكونوا مواطنين «درجة ثانية»، منها فضيحة الأغذية «المزدوجة المعايير». فمستهلكو اوروبا الشرقية اكتشفوا ان طعم بعض المنتجات الغذائية، مثل نوتيلا، مختلف في النروج عما هو عليه في المجر. واظهرت الفحوصات المخبرية ان بعض الماركات المتعددة الجنسية تستخدم مكونات أرخص ثمناً في السلع المبيعة إلى شرق أوروبا وراء الستار الحديدي السابق. وتزعم الشركات انها تغير المواد للنزول على الاذواق المحلية، ولكن وزير الزراعة التشيخية كان لسان حال كثر في شرق اوروبا، واعلن ان الشرق سئم من ان يكون «مستودع قمامة اوروبا». وعلى رغم مواجهتها تحديات واحدة، لم ترص اوروبا الوسطى الصفوف. وتسعى جمهورية تشيخيا وسلوفاكيا الى النأي عن هنغاريا وبولندا اللتين تنددان بالاتحاد الاوروبي. وعلى رغم ان بولندا وهنغاريا يجمعهما عداء بروكسيل، إلا انهما منقسمتان في الرأي ازاء العلاقات مع روسيا. ودول المنطقة ستضطر، في القريب العاجل، الى الاختيار بين النزول في مرتبة مهمشة وثانوية في اوروبا -خط رئيس الوزراء المجري، فيكتور اوربان القومي المتطرف- وبين اندماج أعمق في اوروبا الغربية. ولكن خلاصة تجارب اوروبا الوسطى في القرن العشرين هي: «إن لم تكن على الطاولة (المفاوضات) فأنت على اللائحة (لائحة الطعام)». * باحث، عن «نيويورك تايمز» الاميركية، 22/6/2017، إعداد منال نحاس
مشاركة :