ليست العملية العسكرية التي تشنها قوات الرئيس السوري بشار الأسد، ومعها حليفتيها الروسية والايرانية، في إدلب، مرتبطة بحسابات سياسية أو عسكرية سورية، بل هي تتعلق بالخيار الذي تجد تركيا نفسها أمامه: إما تنفصل عن «تحالف الأطلسي» وتدخل في محور روسيا وايران والأسد، أو تتمسك ببقائها في «تحالف الأطلسي»، تحت طائلة خسارتها وحلفائها محافظة إدلب الشمالية. وكانت روسيا، ومعها الأسد، شنت عملية عسكرية ضد مناطق شمال محافظة حماة وجنوب محافظة إدلب، وقامت المقاتلات الروسية بـ33 غارة، فيما ألقت قوة الأسد الجوية 13 برميلاً متفجراً، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن. وأدى الهجوم الروسي، حتى الآن، إلى مقتل 100 سوري في مناطق المعارضة، وتعطيل 10 مستشفيات، ودفع إلى فرار نحو 200 ألف مدني سوري نحو الحدود المغلقة مع تركيا. وتشرح مصادر في الإدارة الأميركية أن إدلب لا تهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإنه سبق لموسكو أن توصلت إلى هدنة حول هذه المحافظة مع أنقرة، فساد الهدوء في منطقة يسكنها 3 ملايين سوري معارض للأسد، وتسيطر عليها فصائل المعارضة، بإشراف عسكري تركي. وسبق لتركيا أن أوعزت لهؤلاء الحلفاء السوريين بتصفية المجموعات العسكرية السورية الكردية، التي تصنفها أنقرة إرهابية. وعلى مدى العامين الماضيين، بنت أنقرة سياستها تجاه سورية حول سياستها تجاه المجموعات الكردية السورية المسلحة، التي تسعى تركيا للقضاء عليها، أو على الأقل إبعادها عن الحدود السورية - التركية مسافة 30 كيلومتراً. على أن الولايات المتحدة أفادت من هذه المجموعات الكردية في الحرب التي قادتها للقضاء على «داعش»، شمال شرقي سورية، فتحولت هذه المجموعات إلى حليفة لواشنطن، ما أدى الى توتر العلاقة بين الحليفتين، ودفع بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التواصل مع روسيا وايران، في محاولة للقضاء على ما يراه الخطر الكردي على بلاده، وهي سياسة تتشارك فيها تركيا مع إيران، التي تسعى بدورها الى تحجيم دور ونفوذ الأكراد المنتشرين في أجزاء من تركيا والعراق وسورية وإيران. وتقول المصادر الأميركية إن العرض الروسي لأردوغان كان يقضي بهدنة في ادلب تبقيها تحت سيطرة تركيا، والعمل معا لطرد القوات الاميركية المنتشرة في الأراضي السورية شرق الفرات، ما يسمح بعودة قوات الأسد وحلفائها إلى هذه المناطق وقضائها على التهديد الكردي لتركيا. أما ثمن العرض الروسي، فكان تحالف بين موسكو وأنقرة، تتوّجه صفقة شراء تركيا منظومة الدفاع الصاروخية «اس 400»، وهو ما وافقت عليه أنقرة. لكن شراء تركيا المنظومة الروسية يعني خروجها الحتمي من «تحالف الأطلسي»، ويعني إخراجها من مشروع انتاج وصناعة مقاتلات «اف 35» الاميركية المتطورة، التي تشارك في صناعتها تركيا، ومن المتوقع ان تحصل على 100 مقاتلة منها. ويعزو المسؤولون الدفاعيون الأميركيون ضرورة إخراج تركيا من «الاطلسي»، في حال شرائها المنظومة الروسية، إلى أنه يمكن لرادارات «اس 400» أن تراقب طيران «اف 35» عن كثب، وأن تتجسس عليها، وهو ما يعني أن على تركيا الاختيار، إما المقاتلات الأميركية، واما المنظومة الروسية. إلا أن الحسابات التركية ليست عسكرية بحتة، بل إن تركيا تبحث عن من يقلص دور ونفوذ الأكراد في سورية، وهي في هذا السياق تلقت وعداً من واشنطن بأن أميركا ستقيم منطقة عازلة على الحدود السورية الكردية تحظر بموجبها دخول المقاتلين الأكراد اليها، وهي تسوية أعجبت انقرة. إلا ان تركيا ترغب كذلك في الحفاظ على نفوذها وحلفائها في ادلب، خصوصا انها غير مستعدة لاستقبال المزيد من اللاجئين السوريين في حال اقتحمت روسيا المحافظة. هكذا، طلبت أنقرة من واشنطن، حسب المسؤولين الاميركيين، مساعدة من الولايات المتحدة لتمكين المعارضين السوريين من صد الروس والأسد والحفاظ على إدلب. ولأن الولايات المتحدة ليست مستعدة للتدخل عسكريا، تتداول الاوساط الاميركية والاوروبية احتمال نشر قوات من «الأطلسي» على الحدود التركية - السورية لمساعدة حلفاء تركيا في حفاظهم على ادلب. وفي الكواليس، دار حديث عن امكانية انتشار مقاتلين مرتزقة اميركيين في ادلب لمساعدة المعارضين السوريين على صد الهجوم الروسي المتوقع، في حال تراجعت تركيا عن شراء «اس 400» الروسية. لا اتفاق حتى الآن مع انقرة، على الرغم من الزيارة التي قام بها مسؤول الملف السوري جيمس جيفري الى تركيا، وزيارات قادة «الأطلسي» اليها، الا ان المؤشرات الاولية تشي أن تركيا ترغب البقاء في التحالف، وانها في هذا السياق طلبت نشر منظومة صواريخ «باتريوت» الاميركية، كبديل عن المنظومة الروسية، وهو طلب لاقى ترحيبا اميركيا واوروبيا، في وقت يبدو ان الامور تتجه لاختيار أنقرة البقاء في «الأطلسي»، والتعامل مع ردة الفعل الروسية «بالتعاون مع الحلفاء».
مشاركة :