عشية الجولة الجديدة من محادثات جنيف حول سورية، يمتحن «الحلف الثلاثي»، الإيراني- التركي - الروسي، اختبار بارز قد يضطر موسكو الى خيارات صعبة. والإدارة الأميركية الجديدة تقول أنها لن تتحاور مع المتعاونين مع إيران. وأحرز «الحلف الثلاثي» بالفعل منذ ظهوره على الساحة السورية في 2016 بعض النجاح. ففي أواخر كانون الأول (ديسمبر)، تمكنت هذه الدول من ضمان وقف إطلاق نار شامل في سورية، وبدء جولة مفاوضات في آستانة مكملة لمفاوضات جنيف. لكن المفارقة في هذا التحالف، هي أن أعضاءه يعلنون رغبتهم في بلوغ أهداف متعارضة ومتباينة تكاد تستبعد نشوء تحالف حتى ظرفي بينهم. وصرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مراراً وتكراراً أن هدفه في سورية هو الإطاحة بالرئيس بشار الأسد. وهذا وفق الديبلوماسيين الروس والإيرانيين غير مقبول. ولكن، في الواقع، ما يبقي «التحالف الثلاثي» السوري قائماً هو وجود اتفاق ضمني غير معلن. وعلى رغم التناقضات الظاهرة، فالحلف، على الأقل، بين روسيا وتركيا بالغ القوة بسبب خيبة تركيا من حليفتها الرئيسية في الناتو، الولايات المتحدة. فواشنطن تجاهلت، منذ بداية الأزمة في سورية، مطالب أنقرة بالدخول في الصراع، وإنشاء مناطق آمنة في المناطق الحدودية مع تركيا، ثم رفضت تسليم الداعية الإسلامي، فتح الله غولن الذي تتهمه السلطات التركية، بتدبير محاولة الانقلاب العسكري في تمّوز (يوليو) من العام الماضي. وحتى الضربة العَرضية التي شنها سلاح الجو الروسي وأدّت إلى مقتل عدد من جنود الجيش التركي في 9 شباط (فبراير) (المنصرم)، لم تعكر التعاون بين روسيا وتركيا. ولكن الأمور لا تسير بين روسيا وإيران على ما يرام. ومرد المشكلة بينهما إلى واقع الأمور: مهما كان شكل التسوية في الأزمة السورية، إيران ستكون فيها خاسرة. وأمام مساعي المجتمع الدولي إلى حلّ سياسي في سورية، مصلحة طهران هي بقاء الأمور على حالها. صراع بلا نهاية ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، والمحاضر في المدرسة العليا للاقتصاد، ليونيد إيساييف، أنّ الأزمة السورية تقرّب بين الأطراف، لكنه قرب على مستوى نظري وكلامي (التصريحات) فحسب. ولكن إلى وقت قريب، أجمعت روسيا وإيران على مسائل مثل الموقف من التدخل الأميركي في العراق، والحملة الدولية في ليبيا، والتدخل في اليمن. ولكن الفريقين سيجدان أنهما على جبهات مختلفة حين تناول مصلحة إيران الخاصة. ويتوقع إيساييف أن ينزلق الحليفان إلى الخصومة، إذا كان حلّ النزاع السوري يقضي بإرساء مناطق نفوذ - وهو ما تنحو إليه الأوضاع. فحصة الأميركيين هي الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد، والأتراك إدلب ومحافظة حلب الشمالية. أمّا حصة الروسية، وفق أساييف، فهي دمشق والأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية. وعليه، إيران هي منافسة روسيا الرئيسية. ويرى رئيس مجلس إدارة صندوق تنمية ودعم نادي المناقشة الدولي في منتدى «فالداي»، أندريه بيستريتسكي، أنّ سقوط نظام الأسد يطيح جدوى التدخل الإيراني والغاية منه، في وقت لم تبدِ روسيا بعد رغبة واضحة في تسوية تخاف منها إيران. وهذا ما يشير إليه نص مسودة الدستور السوري الجديد، الذي اقترحته موسكو خلال محادثات آستانة في كانون الثاني (يناير) المنصرم. ومنح المشروع الروسي للدستور السوري الجديد الأسد فرصة البقاء في سدّة الرئاسة إلى نهاية ولايته في 2021، على أن يكون قادراً بعدها على تمديد بقائه في منصب رئيس الدولة لولايتين من سبع سنوات. وأشار بلوغ ترامب السلطة إلى انعطاف سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وربما عودتها إلى ما كانت عليه في عهد الرئيس الجمهوري، جورج دبليو بوش. وأدرج بوش إيران والعراق وكوريا الشمالية في «محور الشر»، أي الدول الراعية الإرهاب الدولي. ويرغب الرئيس الأميركي الحالي في إلغاء «الاتفاق النووي» مع إيران، ويسعى إلى عقوبات جديدة عليها. وقرار حظر دخول عدد من مواطني دول شرق الأوسط إلى أميركا، ضم إيران – وهي من الدول القليلة المستقرة في الشرق الأوسط - إلى قائمة الدول التي تعاني من الحروب الأهلية: العراق، سورية، السودان، ليبيا واليمن. فترامب يتوجه نحو الانعزالية: الرغبة في خفض مشاركة أميركا في مشاريع خارجية، يقول بيستريتسكي. وتردد واشنطن في التورط الصراع الدائر في الشرق الأوسط يعود إلى عهد أوباما. ويرى إيساييف أنّ الإدارة الجديدة في البيت الأبيض لم تلتزم، إلى اليوم، استراتيجية واضحة في الشرق الأوسط. ولكن بعض مبادئها البارزة تبلورت، ومنها اعتبار إيران مصدر التهديد الرئيسي في المنطقة، على خلاف إدارة أوباما التي لم تصنّف إيران عدواً، ورأت أن العدو هو تنظيم «داعش». وفي هذا السياق، يبدو أن على روسيا حسم أمرها. فترامب يقول إنّه مستعد للتعاون مع روسيا في القضايا الأمنية. وهذه لا تقتصر على «داعش»، وتشمل أخطار نفوذ إيران، على رغم وعد ترامب خلال الحملة الانتخابية بأن التحالف مع موسكو سيقتصر على محاربة المنظمات الإرهابية. موسكو أمام مفترق الطرق ويعتقد بيستريتسكي أن القيادة الإيرانية قلقة. فالإدارة الأميركية تتخذ منها موقفاً متشدداً، وتعلن، في آن، دعم تركيا، الحليفة في الناتو، وروسيا. ولم ينكر أحد في الإدارة الأميركية بعد رغبته في التعاون مع روسيا. والقلق الإيراني مفهوم، فهي لن تجني سوى الخسارة السياسية والاقتصادية حين انفراط عقد التحالف مع روسيا. وفي مقابلة أجراها أخيراً السفير الروسي في إيران، ليفان دجاغريان، حول آفاق التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، أشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع نحو 5 في المئة، وبلغ حوالى 2 بليون دولار في العامين الماضيين، على رغم مساهمة هبوط أسعار النفط، واندلاع الأزمة الأوكرانية وعقوبات الدول الغربية، في خفض نسبة التبادل التجاري الروسي مع الدول الأخرى، ومنها الصين، نحو 30 إلى 40 في المئة. وأعلن رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، في مقابلة مع قناة «الميادين»، أنّ طهران تسعى إلى حلف استراتيجي مع موسكو في الشرق الأوسط. ويشير إساييف إلى أن كلام لاريجاني هو مؤشر إلى القلق الإيراني من التقارب الروسي- الأميركي. ويُتوقع أن يزور الرئيس الإيراني، حسن روحاني، موسكو في آذار (مارس). ويرجـــح الخبراء أن تتصدر الأزمة السورية لقاء روحـــاني مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. ويخلص إيساييف إلى أنّ أمام روسيا اقتراحين، واحد من واشنطن، والثـــاني من طهران. وروسيا في مواجهة خيار صعب. الخيار الأول، يقضـــي بأن تباشر بـ «إعادة إطلاق» العلاقات مع الولايات المتحدة. لكن ليس جلياً ما إذا كانت هذه العملية ستكون ناجحة في نهاية المطاف، وهل سيكون ممكنناً استغلال هذا النجاح على الساحة الأوكرانية وغيرها من بؤر التوتر. ولكنها فرصة سانحة. والخيار الآخر أن تبقي موسكو على حلفها مع طهران. وحينها لن يتعاون الأميركيون، وحتى ترامب، معها. * صحافي روسي، عن موقع «غازيتا» الروسي، 23/2/2017، إعداد علي شرف الدين
مشاركة :