قررت أن أترك عملي - يوسف القبلان

  • 6/22/2014
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

في محاولة إثبات الذات يضطر الموظف للضغط على نفسه في أداء المهام وتحقيق الانجازات وبذل أكبر قدر من الجهد والوقت . ضغط متواصل وابتعاد عن الأسرة والأصدقاء لأنه وجد نفسه محل ثقة الرئيس وعليه أن يثبت أنه يستحق هذه الثقة. من هنا يصبح هو المركز أو قائد فريق العمل الذي يؤدي كل شيء، ويعتمد عليه الرئيس في كل صغيرة وكبيرة. ما تقدم هو أحد الأمثلة الواقعية من بيئة العمل وهو مثال يشير الى أن ذلك الموظف سوف يكون تحت الضغط كما يشير الى عدم الاستفادة من قدرات الآخرين حيث أصبح دورهم انتظار توجيهات قائد الفريق. صحيح أن فريق العمل يحتاج الى قيادة ولكن القائد لا يفترض أن يقوم بكل شيء، ومن أهم صفات القائد الناجح اكتشاف القدرات القيادية لدى فريق العمل وإعداد قادة للمستقبل وهذا لا يتأتى الا بالمشاركة. على الصعيد الاجتماعي سوف ينقطع قائد الفريق الذي يكلف بمسؤوليات متعددة عن أسرته وعلاقاته الاجتماعية. هذا الانقطاع يؤثر سلبيا في الأداء والانتاجية وليس العكس كما هو الانطباع السائد. وحيث إننا على اطلاع بتجارب وأمثلة من واقعنا الاداري فلعلنا نورد تجربة من مجتمع آخر لغرض المقارنة. يروي وزير أمريكي سابق تجربته كما يلي : منذ سنوات كنت أعاني من مشكلة. لم أستطع الانتظار حتى أصل الى مكتبي في الصباح وأتركه في المساء على مضض . إن منصبي كعضو في مجلس الوزراء كان أفضل منصب حصلت عليه على الاطلاق، لذا كنت أوليه كل اهتمامي . وليس من المستغرب أن باقي حياتي تقلصت الى مجرد حياة جافة بعيدا عن الأصدقاء والأسرة حيث فقدت التواصل مع الأصدقاء القدامى وكنت أرى زوجتي قليلا ولم أكن أرى أبنائي بصورة كافية. وذات مساء وللمرة السادسة في اسبوع واحد اتصلت بالمنزل لأخبر ابنائي بأنني قد يفوتني موعد نومهم مرة أخرى فقال الصغير : حسنا، فقلت في قرارة نفسي : ولكن هل أستطيع أن أوقظه حينما أعود الى المنزل ؟ سيكون الوقت متأخرا حقا، سيكون قد استغرق في النوم منذ وقت طويل، لذا من الأفضل أن أراه في الصباح. استمع ابني ولكنه أصر على انتظاري، وسألته عن السبب فقال انه أراد فقط أن يشعر بوجودي بالمنزل . وحتى يومنا هذا لا أستطيع أن أشرح ما حدث في تلك اللحظة ولكنني عرفت فجأة وبحسم أنه يجب أن أترك عملي. (روبرت رايش / وزير سابق لوزارة العمل الأمريكية / نجاحات عظيمة يومية). تلك صورة من صور ضغوط العمل وهناك اعتقاد انه عندما يقوم الانسان بالإبداع والانتاج تحت الضغوط فانه بذلك سوف يتوصل الى أفضل انتاجية ويكون قادرا على تقديم أفضل ما لديه . لكن الباحثين في جامعة هارفرد اكتشفوا عكس ذلك المبدأ، فقد وجدوا أن الضغوط الهائلة تقتل الابداع وأن التوتر قد يؤدي الى عدم صفاء الذهن والاجهاد البدني ومن ثم فقدان الحماسة تماما للمشروع برمته .(ما رتال فيني / حقائق حول الادارة الفعالة للموظفين). ماذا نفعل تجاه ضغوط العمل؟ اذا كان النجاح يتطلب العمل الشاق وتحمل المسؤوليات مهما تعددت . واذا كانت طبيعة بعض الأعمال تتطلب الانقطاع عن الأسرة والأصدقاء ما أدى الى تقديم بدلات مادية كحوافز ؟ ليس هناك اجابة مثالية عن هذا السؤال فهناك ضغوط ايجابية مثل المتابعة والتقييم وتطبيق النظام والمعايير المهنية دون مجاملة، وهذه أساسيات مطلوبة في كل عمل. وفي المقابل هناك ضغوط سلبية حين تكون المهام أكبر من طاقة الإنسان، وعدم توفير القوى البشرية الكافية والمؤهلة وتحديد مدة زمنية غير منطقية للإنجاز. ولكن بشكل عام يمكن القول إن هناك بعض العوامل التي تساعد على التعامل الايجابي مع ضغوط العمل ومنها التفويض، والتفكير الايجابي وعدم المبالغة في نقد الذات، والوضوح في المسؤوليات والأهداف، وعدم محاولة إرضاء الجميع، وتحقيق التوازن بين مسؤوليات العمل ومسؤوليات الأسرة، والاسترخاء وتحديد أوقات للراحة. الجانب الآخر للموضوع هو أن تضع المنشأة كل أوراقها ومفاتيحها وثقتها في شخص واحد وهذا خطأ تنظيمي يوفر كمية هائلة من الضغط على هذا الشخص ويعطل قدرا ت الآخرين بل قد يحولهم هذا التعطيل الى القيام بأدوار سلبية لا تخدم المنشأة.

مشاركة :