إرهاب سيناء وأطراف متضامنة بقلم: عدلي صادق

  • 7/12/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ستظل أصابع الاتهام، بخصوص العملية الإرهابية في جنوب رفح، تتجه إلى كل من يعارضون التفاهم المصري مع الفلسطينيين في غزة، وكل من أزعجهم وطير عقولهم التفاهم الفتحاوي الحمساوي فيها.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/07/12، العدد: 10689، ص(9)] كثيرة هي الدلالات التي ينبغي التوقف عندها، للعملية الإرهابية الأخيرة في جنوب رفح في سيناء. أول هذه الدلالات عنصر التوقيت الذي جاء رجعاً سريعاً للصدى، بعد تطور مصري- فلسطيني شبه استراتيجي، لصالح القوات المسلحة المصرية في شمالي الحدود الشرقية للبلاد. وبالنظر إلى الملاحظات الميدانية المتعلقة بمعركة الموصل مع الدواعش، هناك أمر لافت، يُفترض أن يكون قد تنبه إليه العسكريون، وله معانٍ شديدة الأهمية والخطورة: لقد احتفظ التنظيم الإرهابي، حتى اللحظات الأخيرة في الموصل، بالقدرة على الضبط الميداني والتواصل مع مقاتليه في الرقة وبادية الشام وتلعفر والحويجة ومنطقة الطبقة وغيرها، بمعنى أن دولاً أو دولة وازنة، زودت التنظيم بأحدث معدات السَبرانية (أي أدوات الضبط والتحكم الميداني في ساحات القتال، وهذه من أهم عناصر التجهيز لما يُسمى Cybernetics وقد اشتُق من هذا المصطلح تعبير Cyber Space ومعناه مركز الربط بين أجهزة الكمبيوتر المثبتة في أماكن مختلفة، واستخدم هذا التعبير للدلالة إلى مقهى الإنترنت). في تقدير كاتب هذه السطور، وهذه ملاحظته، أن مصدر معدات الضبط التي بيد داعش، لن يكون مصدرها إلا دولة أطلسية كتركيا أو إسرائيل. فقد ظل الدواعش متصلين ببعضهم بعضاً، من خلال أجهزة متطورة موصولة بالأقمار الاصطناعية، وكان ذلك أحد أسباب منع الانهيار السريع في الموصل، أو التسليم في لحظات اليأس، وأيضاً أحد أسباب إشعال الحرائق حتى الساعات الأخيرة لهم في المدينة. وإن جرت عملية تحليل للمعدات السليمة أو بقاياها المتفحمة في المدينة؛ سوف تتكشف حقائق مهولة! في حروب سابقة، كانت الجيوش التي لا تملك معدات الضبط الحديثة، وكانت بعد ضرب اتصالاتها التقليدية، تفقد نفسها سريعاً ويحدث التقهقر العشوائي، وأقرب الأمثلة الحديثة على ذلك، ما حدث للجيش العراقي في مناسبتين، الأولى أثناء الغزو الأميركي، والثانية بعد المد الميداني لداعش، عندما احتل رقعة واسعة من الأراضي العراقية ووقف على حدود بغداد. في العنصر المتعلق بالتوقيت، يُستفاد في تحليل واقعة العملية الإرهابية المباغتة في سيناء، من معطيات قدرة الدواعش في العراق وسوريا على ضبط وضعهم الميداني. فما إن بدأ تطبيق الشق الأمني من تفاهمات القاهرة بين مصر وقيادة حماس في غزة؛ حتى وقعت العملية بتوقيتها التقريبي، أما في توقيتها الدقيق، بعد اختيار الهدف، فإن التحرك المقروء من خلال سير العملية، ينم عن حقيقة لا مراء فيها، وهي أن ثمة من ضغط بإصبعه من بعيد جداً على الأزرار، وأن إسرائيل شريكة. وبالطبع، فإن الطرف المتضامن، الذي يضغط على الأزرار، يحسب كل شيء، ويضع في حسبانه أن المعتوهين الذين ينفذون، سوف يحترقون، وهذه لعبته. فالمهم عنده أن تصل سيارات الدفع الرباعي إلى هدفها وتنفذ، وبعدئذٍ ليست هناك مشكلة عندما يجري المحسوب والمتوقع، وهو استدعاء المروحيات أو قوة أخرى للتعرض، فيحترق المهاجمون. حيال مثل هذه الوقائع، تنشأ عندنا وجهة نظر لا تزال غير معتمدة على المستوى الرسمي العربي، وهي أن إسرائيل ضالعة في العمليات الإرهابية في سيناء، مهما خادعت وتظاهرت بمساندة مصر في حربها على الإرهابيين. لا نقول ذلك عن عاطفة وإنما نعلله بالمنطق. سيارات الدفع الرباعي التي استقلها الإرهابيون، تحركت في مجال المراقبة الإسرائيلية، بعد أن قام الطرف المتضامن بالضغط على أزرار الهجوم فمن يقرأ التاريخ ويطالع السجالات البريطانية- الفرنسية وموقف الحركة الصهيونية من كيفية ملء الفراغ في سيناء؛ يتأكد أن إسرائيل ضالعة. فالجنرالات البريطانيون أيام احتلال مصر، كانوا يرون سيناء المجال الاستراتيجي الذي يؤمن أهم حلقات مواصلاتهم وهي قناة السويس. وقد كانوا يدفعون إلى الصحراء بمفارز الاستطلاع، ورجال المخابرات المتسترين بمهمات علمية في دراسات علم الطيور أو علم الآثار، وكانت عينهم دائماً على سيناء أرض الفيروز، وقبلهم فعل العثمانيون الشيء نفسه، إذ حافظوا على خطوط الوصول إلى حافة القناة وهاجموا الجيش البريطاني في العام 1915. أما جنرالات إسرائيل فقد أطلقوا على سيناء بعد احتلالها قبضة الفولاذ وساحة الهيمنة الاستراتيجية. وعندما فاوضوا على إخلائها في كامب ديفيد عام 1978 تشددوا حيال انتشار الجيش المصري، وأصروا على الخارطة التي حرمت المصريين من السيطرة الأمنية التامة عليها. لذا يصح التساؤل: هل تغيرت سيناء وتراجعت أهميتها الاستراتيجية، مع وجود حكم حماس في غزة، لكي تقبل إسرائيل، قبل نحو عامين، استعراضا عسكريا داعشيا على حدودها يتألف من نحو ألف سيارة دفع رباعي، علما بأن الإرهابيين من الناحية النظرية طُلاب خلافة إسلامية تمحق من يعارضها؟ الإرهابيون، منذ أن ظهروا، لم يسجلوا موقفاً واحداً يمكن تفسيره على أنه ينطلق من عداء لإسرائيل، ولو لذرّ الرماد في العيون. فمهما اختلفنا مع “حزب الله” أو النظام السوري، لا يجوز أن ننكر كون الطرفين هدفين لإسرائيل، يقصفهما طيرانها لأتفه الأسباب. أما هؤلاء الإرهابيين، وهم على مقربة من الجيش الإسرائيلي في سيناء وفي الجولان، فليسوا هدفاً. بل نلاحظ وبالمنطق، إن وصلت إلى مواقع الاحتلال في الجولان، قذيفة طائشة أثناء القتال بين قوات النظام وقوات ما يُسمى “النصرة”؛ ترد إسرائيل بقصف على مواقع النظام، ناهيك عن التعاون اللوجستي الظاهر بين النصرة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وفق تقارير ضباط المراقبين الدوليين في الجولان، وناهيك أيضاً عن تصريحات عناصر استخبارات إسرائيلية تؤكد على وجود زملاء لهم في صفوف داعش. من البديهي القول، إن سيارات الدفع الرباعي التي استقلها الإرهابيون، تحركت في مجال المراقبة الإسرائيلية المرئية للمنطقة، بعد أن قام الطرف المتضامن، صاحب المصلحة في العملية، بالضغط على الأزرار للهجوم. ستظل أصابع الاتهام، بخصوص العملية الإرهابية، تتجه إلى كل من يعارضون التفاهم المصري مع الفلسطينيين في غزة، وكل من أزعجهم وطيّر عقولهم التفاهم الفتحاوي الحمساوي فيها. وإن كان لجماعة “الإخوان القطبيين” أن تتقبل نصيحة، إننا ننصحها بالهجوع لا بالضلوع. فإسرائيل حاضرة في ماعون رجب طيب أردوغان، ثم إن لمسة من الإصبع الإسرائيلية من شأنها أن تحرق أدبياتها منذ العام 1928. كاتب ومحلل سياسي فلسطينيعدلي صادق

مشاركة :