تفاهمات غزة وموقف الطرف الخاسر بقلم: عدلي صادق

  • 6/29/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

الرؤية الإسرائيلية للمفاوضات، وهي نفسها رؤية الرئيس الأميركي، أكثر من كافية لأن يلتحق عباس بالتفاهمات التي تم التوصل إليها بين إصلاحيي فتح وقيادة حماس في غزة، وفق الشروط الدستورية والقانونية، وليس وفق ما اعتاد عليه.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/06/29، العدد: 10676، ص(9)] منذ أن توصل إصلاحيو فتح إلى تفاهمات مع قيادة حركة حماس في غزة بدا لافتا أن ردود الفعل التلقائية من قبل القيادة الرسمية للسلطة في رام الله اتسمت بالميل إلى جعل الخصومة الفلسطينية من الثوابت الأبدية لأسباب قد يكون لها علاقة بالكثير من الاعتبارات باستثناء الاعتبار الوطني وحاجة الفلسطينيين إلى جمع شملهم وتجاوز حال الانقسام ومقاومة الضغوط موحدين. في الحقيقة، لم يكن موقف رئيس السلطة وجهاز أمنه مفاجئا. فالمتتبعون لسياسات ومواقف رام الله، حتى أثناء جولات الحوار مع حماس تنبهوا مبكرا إلى أن عباس لم يكن جادا في أي يوم في السعي إلى مصالحة وطنية وإنهاء الانقسام وتعزيز الورقة السياسية الفلسطينية. ملخص المنطق الذي ساد هو تجاهل حماس في الضفة وعدم إطلاق حوار معها أو حتى خلق مناخ اجتماعي إيجابي قد يساعد في تهيئة الأجواء لأي مدى من التفاهم. وسادت كذلك مفاقمة وضع غزة والاستمرار في الضغوط على السكان وحتى على حركة فتح وكادرها في غزة وذلك كله بذريعة أن حماس لم تتراجع عن انقلابها علما أن شكوكا كبيرة وأسئلة كثيرة لا تزال قائمة حول حرص قيادة السلطة على رمي غزة إلى حجر حماس في العام 2007. كان واضحا أن خيار قيادة السلطة هو تحاشي استعادة عناصر النظام السياسي وتفعيل مؤسساته الدستورية المعطلة على النحو الذي سيكون حجر عثرة أمام عباس وسياساته وسيحبط تفرده بالمسؤولية الأولى والوحيدة عن الخط العام للصرف المالي وما يتصل منه بالسياسات الاجتماعية. وكان عجيبا ومستهجنا القول إن التفاهمات لإنقاذ حياة السكان في غزة من شأنه فصل المنطقة عن الضفة بينما الذي يجري في كل يوم، على صعيد الممارسة العملية، هو تكريس هذا الفصل بوسائل اقتصادية واجتماعية ولوجستية شتى يباشرها الطرف الذي يتهم. ولم يكن ثمة وجاهة في حديث سلطة عباس عن تطور يتهدد الوحدة التمامية لأراضي السلطة ويتهدد أيضا منظمة التحرير الفلسطينية. فلا يختلف اثنان من المراقبين والمتابعين على أن عباس أظهر طواعية قصوى لاشتراطات أميركية وإسرائيلية ليس لها معنى سوى السعي الحثيث إلى تصفية ما تبقى ليس من العداء الفلسطيني للاحتلال وحسب، وإنما ما تبقى من الذكريات والتسميات. أصبح كل شيء، في الآونة الأخيرة، يمهد لتحولات تاريخية فادحة على هذا الصعيد، بينما عباس يظن أنه يحقق لنفسه جدارة وتأهيلا لكي يتقبله المحتلون والأميركيون، طرفا في مفاوضات مقبلة. فقد ارتضى قبل أن يصل إلى طاولة المفاوضات شطب البعد الوطني والتاريخي للمسؤولية الفلسطينية عن أسر الشهداء، وفي ذلك إقرار ضمني، وبأثر رجعي، بأن مناضلي الحركة الوطنية الفلسطينية ومقاوميها في مراحل الكفاح المسلح لم يكونوا سوى “إرهابيين”. وهذا هو عين الموقف الذي يجعل عباس ومن معه طرفا خاسرا عند شعب فلسطين وعند إسرائيل. فقد ذكر ريكس تيلرسون وزير الخارجة الأميركي صراحة، في شهادته أمام مجلسي النواب والشيوخ، حين قال إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التزم وقف دفع رواتب عائلات الشهداء والأسرى، وأنه يبحث عن مخرجٍ ما لتغيير التسميات القديمة، من قبيل تحويل هذا الأسر إلى عائلات مستفيدة من برنامج مساعدات اجتماعية للأيتام والأرامل والأطفال المعوزين. وهذا هو الذي جعل عباس يمتنع عن اعتماد شهداء عدوان العام 2014 على غزة، وجُلهم لم يكونوا إلا مدنيين قصفت بيوتهم وقتلوا دونما مقاومة. لقد لخص العنصري المتطرف نفتالي بينت، وزير التعليم في إسرائيل، طبيعة التسوية التي تسعى إليها حكومته فقال “إنه سلام القوة.. نحن نُملي وأنت توقع”. ولأن هكذا “سلام” لن يُشرف أحدا فقد أصبح الخيار الوطني الفلسطيني هو الإقلاع عن الانخراط في أي سياق على صعيد التسوية، والالتفات إلى المجتمع الفلسطيني وإلى النظام السياسي لتعزيز ثقة الأول بنفسه والعمل على نهوض الثاني ليؤدي دورا سياسيا ضاغطا لتجنيب القضية الفلسطينية المآل الذي يريده المتطرفون العنصريون. الرؤية الإسرائيلية الرسمية للمفاوضات، وهي نفسها رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أكثر من كافية لأن يلتحق عباس بالتفاهمات التي تم التوصل إليها بين إصلاحيي فتح وقيادة حماس في غزة، وفق الشروط الدستورية والقانونية، وليس وفق ما اعتاد عليه خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية. ضغوط إسرائيل والإدارة الأميركية لن تتوقف عند حرمان أسر الشهداء والأسرى من حقوقهم، أو بالتبرؤ من شهداء جدد، من الشُبان الصغار والفتيات، يسقطون مع ارتفاع منسوب الغضب الشعبي من ممارسات الاحتلال. ولن يمضي وقت طويل، حتى نسمع عن طلبات إسرائيلية ــ أميركية لإسقاط ما تبقى من الرمزيات ووقف إحياء المناسبات الوطنية وتصفية آخر ما تبقى من منظمة التحرير الفلسطينية، وهو لجنتها التنفيذية. قصارى القول إن الخطوة العملية التي أصبح الفتحاويون وحماس بصددها، قد جعلت عباس ومن معه طرفا خاسرا، لن ينطلي موقفهم على أحد! كاتب ومحلل سياسي فلسطينيعدلي صادق

مشاركة :