استخدمت العقاقير في علاج السرطان لأول مرة في أوائل القرن العشرين، وجاء العلاج الكيميائي بهدف الشفاء أو إطالة الحياة أو التخفيف من الأعراض، وخضع لتطورات متتالية على مر العقود من أجل تحسين كفاءته وتقليل مضاعفاته، ثم تخصص العلماء والباحثون، كل في فرع أو نوع من أنواع السرطان.وأخذ عدد منهم يركز اهتمامه على جوانب في حياة البشرية لا تقل أهمية عن إطالة العمر وهو «الإنجاب»، وكان الهدف هو المحافظة على الخصوبة (الحمل والولادة) بعد علاج السرطان.تحدث إلى «صحتك» الدكتور: أحمد بن عبد الله الصانع استشاري العقم والخصوبة وأطفال الأنابيب والجراحة بالمنظار في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، وأشار إلى أن علاج السرطان الكيميائي والإشعاعي بدأ في الخمسينات الميلادية من القرن الماضي في أميركا، وأن العلماء كانوا يهللون وما زالوا بكل حالة علاج ناجحة تعيش لخمس سنوات. واليوم في السعودية أصبح لدينا مرضى تعافوا تماماً من مرض السرطان بل وعاشوا لثلاثة عقود بعد علاج السرطان. وقد تطورت العلاجات عبر السنين، فظهرت أجيال جديدة من الأدوية أخف في أعراضها الجانبية وأقوى في القضاء على الخلايا السرطانية وتطورت بروتوكولات الجرعات الدوائية وتقدمت التقنيات الجراحية والنظائر المشعة المستخدمة بهدف الوصول للشفاء التام.الإنجاب بعد علاج السرطانأضاف الدكتور الصانع أن هدف المحافظة على الخصوبة (الحمل والولادة) بعد علاج السرطان أصبح الشغل الشاغل لأطباء الخصوبة حول العالم. واستعرض بعض الإحصاءات للتوضيح: فقد تم تشخيص 18 مليون حالة سرطان جديدة في الولايات المتحدة الأميركية أعمارهم بين 20 - 34 سنة منذ سنة 2007 وحتى سنة 2011، وهناك امرأة قهرت مرض السرطان وتعيش سليمة معافاة بيننا اليوم من كل 250 امرأة، وأن 90 في المائة من الناجيات (أكثر من 7 سنوات بعد علاج السرطان) هن من الناجيات المعمّرات. إن هذا التحسن النوعي في نسبة الشفاء التام ناتج عن التطور المتسارع في العلاجات المتوفرة، 75 في المائة على الأقل من الناجيات اللاتي لم يكن لديهن ذرية عند التشخيص الأوَّلي للسرطان يرغبن حسب الإحصاءات بعد الشفاء التام بالحمل والولادة.إن أغلب الدراسات العلمية توضح أن أقل من 50 في المائة من الناجيات من السرطان ناقشن موضوع المحافظة على الخصوبة مع أطبائهن قبل البدء بمراحل علاج السرطان، و50 في المائة من أطباء الأورام. إلا أن الذكور بالذات لا يناقشون موضوع المحافظة على الخصوبة أبدا مع الأطباء. والجدير ذكره أن أغلب طبيبات الأورام في العالم اليوم يبادرن بفتح هذا الموضوع مع مرضاهن من الرجال والنساء على حدٍّ سواء قبل البدء بالعلاجات التي تؤدي غالباً للعقم! إذن نحن اليوم أمام تحدٍّ طبي من نوع جديد وحاجة وطنية ملحة لزيادة الوعي عند أطباء الأورام وبالذات الرجال منهم لبحث هذا الموضوع المهم بكل حرية مع المرضى من الجنسين.إن عدد الحالات السرطانية المكتشفة في العربية السعودية في سنة 2010 هو 12909 حالات، وتعداد السعوديين المتوقع لسنة 2017 هو 22 مليون نسمة، نحو نصفهم من النساء ومتوقع اكتشاف 15 ألف حالة سرطان جديدة سنة 2017 وبذلك تكون نسبة اكتشاف الحالات السرطانية الجديدة لدينا هي 0.07 في المائة بالمقارنة بنسبتها في الولايات المتحدة الأميركية وهي 0.45 في المائة، ونحن نتوقع وجود ما لا يقل عن 175 - 200 مريضة سنوياً على أقل تقدير مهتمة ببرنامج حفظ الخصوبة وبحاجة له قبل بدء علاج السرطان (فتيات ونساء أعمارهن ما بين سن البلوغ نحو 11 سنة وحتى سن 35 سنة). الجدير ذكره أن هذه الإحصاءات التقديرية لا تشمل النساء اللاتي بلغن سن 35 سنة ولم يتزوجن ويرغبن بالحفاظ على خصوبتهن بتجميد بويضاتهن. ويعتقد أن عدد هؤلاء النساء السعوديات على أقل تقدير هو 1000 حالة سنوياً وهن موظفات ناجحات وغالباً يملكن القدرة المادية لدفع ثمن هذه العمليات في القطاع الخاص سواء محليّاً أو بالسفر للخارج.وللاستدلال على ما يحدث عالميّاً فقد تكفلت شركتي آبل وفيسبوك بتغطية تجميد بويضات موظفاتهما غير المتزوجات إيماناً منهما بأهمية الخصوبة بالذات عند النساء اللاتي تأخر معدل الزواج عندهن عالميّاً وبعد سن 43 سنة تتناقص نسبة الحمل الطبيعي أو بتقنية أطفال الأنابيب لأقل من 3 في المائة وتتضاعف نسبة الإجهاض والتشوهات الخلقية مثل متلازمة داون.مشكلة فشل المبيضينإن نسب حدوث الفشل الكلي المبكر للمبيضين متفاوتة حسب العمر، فعند إعطاء جرعة 600 Rad (وحدة إشعاعية) لمريضة بعمر 40 سنة سيحصل لديها حسب الإحصاءات فشل كلي نهائي للمبيضين (أي تصبح عقيمة لا تنتج بويضات) بعد العلاج الإشعاعي. وفي الجانب الآخر عندما تم إعطاء فتيات بعمر 20 سنة جرعة 3000 Rad وحدة إشعاعية تم تسجيل حالات حمل وولادة بنسب منخفضة جدّاً.النساء اللاتي يأخذن العلاجات الكيميائية المسماة Alkylating agents تكون نسبة الفشل الكلي للمبيضين لديهن مرتفعة وتنخفض هذه النسبة بانخفاض عمر المرأة عند البدء بالعلاج الكيميائي. وكلما ارتفع العمر فوق سن 35 سنة كانت نسبة الفشل الكلي للمبيضين مرتفعة لدرجة الحتمية. إن أطباء الخصوبة يحتاجون ما بين 10 - 21 يوم تأخير قبل البدء بالعلاج الكيميائي أو الإشعاعي لمريضة السرطان ليتسنى لهم إعطاؤها أدوية لتنشيط المبيضين ثم سحب البويضات، فإذا كانت المريضة غير متزوجة تُجمد لها هذه البويضات مباشرة، وإذا كانت متزوجة يتم حقن البويضات بالحيامن المنوية للزوج فتتكون أجنة نجمّدها لسنوات طويلة للإرجاع لاحقاً داخل الرحم بعد الشفاء التام (عادة بعد العلاج بـ5 - 7 سنوات) ونسبة الحمل تتراوح بين 20 - 25 في المائة بإذن الله.تجميد المبايض والحيامن* تجميد المبايض: إنه الخيار الآخر، ويتم باستئصال أحد المبيضين وتجميده كشرائح رقيقة ثم إعادة زرع هذه الشرائح تباعاً في المبيض الآخر بعد الشفاء التام، وسيمكن للمريضة أن تحمل. وهناك ولادات حدثت بهذه التقنية (تتوفر هذه التقنية في مراكز قليلة حول العالم، وما زالت هذه الأساليب العلاجية حتى اليوم تعتبر بروتوكولات تجريبية). وللتوضيح أكثر فإن هناك نسبة من أورام الثدي السرطانية لديها مستقبلات موجبة لهرموني الإستروجين أو البروجسترون وأغلب أطباء الأورام يرفضون مناقشة المحافظة على الخصوبة مع هؤلاء المريضات قبل العلاج الكيمائي خوفاً من ارتفاع هرموني الإستروجين والبروجسترون استجابة للأدوية المنشطة للمبيضين قبل علاج أطفال الأنابيب لتجميد البويضات أو الأجنة في حالة كانت متزوجة وهذا الارتفاع نظريّاً قد يؤدي لانتشار السرطان في الجسم ولذلك قام أطباء الخصوبة بتطوير بروتوكولات خاصة بهذه الحالات لمنع ارتفاع هذين الهرمونين أثناء تحفيز المبيضين لضمان عدم تغيير نسب الشفاء لهذه الحالات بإذن الله.* تجميد الحيامن: بالنسبة للأطفال الذكور البالغين (غالباً) 15 سنة فما فوق والرجال المصابين بالسرطان فبإمكانهم تجميع أكثر من عينة للحيامن المنوية عن طريق العادة السرية حيث يتم تجميدها للاستعمال لاحقاً بإجراء أطفال الأنابيب لزوجاتهم مع الحقن المجهري ونسبة الحمل بالأجنة الناتجة عن هذه التقنية هي 40 في المائة وربما أكثر حسب عمر الزوجة.إن عينات الحيامن المنوية المجمدة هي ملكية شخصية خاصة للذكر البالغ وهو يملك استخدامها عند زواجه كما أن له حرية إتلافها في حالة عدم زواجه أو طلاقه أو متى ما شاء، وعادة يُطلب منه تجديد تجميدها سنويّاً لضمان عدم تكدّس العينات في المختبر دون استخدام. وأما الأطفال قبل البلوغ وبالذات الذاهبين أو الذاهبات لزراعة نخاع العظام فإن تجميد إحدى الخصيتين أو أحد المبيضين بعد أخذ موافقة ولي الأمر هو مجال خلاف أخلاقي بين الأطباء ولكنه يتم على نطاق ضيق في بعض المراكز البحثية العلمية حول العالم.
مشاركة :