الجزائر: وهم الديمقراطية التشاركية بقلم: أزراج عمر

  • 7/13/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

النظام الجزائري يرمي من وراء رفع شعار الديمقراطية التشاركية إلى التغطية على الأزمات التي تعاني منها البلاد ولا ينوي حقا تغيير سلوك الحكومة التنفيذية. العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/07/13، العدد: 10690، ص(9)] فاجأ وزير الداخلية الجزائري الرأي الوطني هذا الأسبوع بقوله إن حكومة الوزير الأول عبدالمجيد تبَون تنوي تطبيق الديمقراطية التشاركية في الجزائر وتدعو المواطنين الجزائريين إلى المشاركة في مناقشة وإثراء قانون تسيير الشؤون العامة. من المعلوم أن هذا التقليد السياسي المدعو بالديمقراطية التشاركية ليس من بنات أفكار النظام الجزائري حيث أن تجربة هذا النمط من الديمقراطية مستوردة من الغرب حيث نشأت وترعرعت كفكر فلسفي وكممارسة سياسية في الميدان. من المعروف أيضا أن عددا من المفكرين والفلاسفة الغربيين منهم الألماني يورغن هابرماس، والأميركي جون راولس هم الذين وضعوا الأسس الفكرية للديمقراطية التشاركية سعيا منهم لتجاوز نخبوية الديمقراطية البرجوازية، والديمقراطية الليبرالية والليبرالية الجديدة. لا شك أن الديمقراطية التشاركية هي نتاج لتطور الفكر الفلسفي الغربي وعرض من أعراض الفشل الذريع الذي منيت به الديمقراطية التمثيلية التي تتميز أيضا بنخبوية ملفتة للنظر رغم ادعاء الأنظمة السياسية التي تعمل بها أنها نابعة من الانتخابات الشعبية الحرة والشفافة. وهنا نتساءل لماذا يحاول النظام الجزائري نسخ واستيراد خيار الديمقراطية التشاركية علما أن الجزائر قد تخلت منذ زمان طويل عن التقليد السياسي والاجتماعي المدعو بالجماعية الأفريقية الذي يقترب جزئيا مفهوما ومضمونا من الديمقراطية التشاركية؟ ثم، هل يمكن أن يتعايش في آن واحد النظام الرئاسي المركزي الذي يكبل الديمقراطية في الجزائر مع الديمقراطية التشاركية التي تعني حسب التعريف الذي يعطيه لها عدد من الموسوعات “بأنها نظام يمكَن من مشاركة المواطنين في صنع القرارات السياسية ذات الأولويات بالنسبة إليهم عن طريق التفاعل المباشر مع السلطات القائمة والمشكلات المطروحة. كما تتفق على أن الديمقراطية التشاركية تتبنى مفهوما جوهريا يأخذ بعين الاعتبار دور المواطنين في المشاركة في صنع القرار السياسي وتدبير الشأن العام، كما أنها تتسم بالتفاعل بين المواطنين والحكومات أو المستشارين المحليين”. ماذا يعني النظام الجزائري بهذه الدعوة في هذا الوقت بالذات بعد انتهاء الانتخابات التشريعية ذات المضمون التمثيلي الشكلي المناقض لمفهوم الديمقراطية التشاركية؟ ثم متى شارك الشعب الجزائري في إدارة شؤون البلاد على نحو مباشر وملموس منذ الاستقلال إلى يومنا هذا؟ وفي الواقع فإن النظام الجزائري يرمي من وراء رفع شعار الديمقراطية التشاركية إلى التغطية على الأزمات التي تعاني منها البلاد ولا ينوي حقا تغيير سلوك الحكومة التنفيذية. هنا يطرح هذا السؤال أيضا من الذي سيشارك في هذه المناقشات في ظل رفض الأحزاب المعارضة سياسات النظام الحاكم وفي ظل إقصاء المجتمع المدني المستقل عن مؤسسات الحكم كقوة ثقافية وفكرية ومهنية وفنية من الحياة السياسية؟ كيف يمكن تطبيق الديمقراطية التشاركية في بلد تتحكم فيه ذهنية الرجل الحاكم الأوحد والبنية الثقافية التقليدية التي أفرزت ولا تزال تفرز شكل الحزب الواحد المسيطر على الواجهة السياسية والذي يلغي بواسطة مختلف الحيل والمراوغات إمكانية بناء معمار التعددية الحزبية الحقيقية في الجزائر؟ في هذا السياق ينبغي تسجيل ملاحظة أساسية وهي أن ثمة في الجزائر مشكلة مزمنة لم تجد تحليلا جديا أو حلا موفقا ألا وهي مشكلة التعارض الدائم بين الواقع السياسي مع أبسط المبادئ الأولية للديمقراطية ناهيك عن الديمقراطية التشاركية بمعناها الفكري والعملي والأخلاقي. يبدو واضحا أن وزارة الداخلية الجزائرية ترمي بشكل موارب، من وراء دعوتها للمواطنين للقيام بإثراء قانون الديمقراطية التشاركية، إلى تحقيق أهداف خطط ولا يزال يخطط لها النظام الحاكم في الجزائر منها خلق قوة بديلة تحل محل أحزاب المعارضة وتتعارض معها وكذلك من أجل تحطيمها بواسطة الحيلولة دونها ودون صنع عمق شعبي لها في الجزائر العميقة. ومن ناحية أخرى فإن المقصود أيضا هو إلهاء الشعب عن المشكلات الحقيقية التي تدمر حياة المواطنين وفي مقدمتها ضعف الدخل وغلاء المعيشة، وهزال المنظومة التعليمية، وتفشي الفساد المالي في أعلى هرم مؤسسات الدولة فضلا عن البطالة المستشرية بين أوساط الشباب وغيرها من المشكلات البنيوية التي تنذر فعليا بالخطر. كاتب جزائريأزراج عمر

مشاركة :