في رحلته إلى تونس في العشرينات من القرن الماضي تمكن كارل يونغ من نقد التحليل النفسي الغربي المتقوقع داخل الثقافة البرجوازية الغربية ودعا إلى الانفتاح على الثقافات الأخرى.العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/03/03، العدد: 10560، ص(15)] هناك مثقفون ومفكرون أوروبيون يتحركون خارج سياج المركزية الغربية المغلق ومن هؤلاء عالم النفس السويسري كارل يونغ الذي اكتشف الأوروبي وتصوراته وأوهامه الخاطئة في تونس. ففي رحلته إلى تونس في العشرينات من القرن الماضي تمكن كارل يونغ من نقد التحليل النفسي الغربي المتقوقع داخل الثقافة البرجوازية الغربية ودعا إلى الانفتاح على الثقافات الأخرى التي شكلت نفسيات وهويات الشعوب الأخرى. وقال يونغ “كان الغرض من سفري إلى أفريقيا هو إيجاد مركز مراقبة نفسي خارج المحيط الأوروبي وبشكل غير واع أردت أن أجد ذلك الجزء من شخصيتي الذي أصبح غير مرئي جراء تأثير وضغط المحيط الأوروبي عليّ، ثم أخيرا وجدت نفسي في المكان الذي اشتقت طويلا أن أزوره. إنني في بلد غير أوروبي، لا تسمع فيه اللغة الأوروبية، ولا تسيطر فيه الذهنية المسيحية حيث كل شيء فيه مختلف بما في ذلك العرق والتقاليد التاريخية والفلسفة التي طبعت وجوه الناس”. ها هو يعترف بمرارة قائلا “إنني تجاهلت اللغة العربية الشيء الذي آسف عليه كل الأسف وللتعويض عن ذلك كنت يقظا كل اليقظة ورحت أراقب الناس وسلوكهم. جلست مرارا في مقهى عربي مستمعا إلى أحاديثهم التي لم افهم منها ولو كلمة واحدة، ولقد تمكنت من دراسة إشارات الناس، وعلى نحو خاص كيفية تعبيرهم عن مشاعرهم، ولاحظت التعبير اللطيف في إشاراتهم عند مخاطبتهم للأوروبي. وهكذا تعلمت أن أرى بعيون مختلفة، وأن أعرف الإنسان الأبيض خارج محيطه”. ومن تلك التجربة استخلص أن “الهدوء أو بالأحرى الجمود الذي يصف به الأوروبي الإنسان الشرقي بدا لي مجرد قناع. فقد أحسست أن القلق والاضطراب يكمنان وراءه غير أنني لم أتمكن من شرحهما”. وهو في تونس أرسل يونغ عدة رسائل إلى زوجته وفي إحداها قارن فيها بين الشخصية الأفريقية العربية الإسلامية وبين الشخصية الأوروبية مبرزا “ذات مرة مرَ عربي شهم – وقد كان مكسوا بثياب بيضاء من رأسه إلى أخمص قدميه – ممتطيا ناقته – دون أن يلقي بالتحية. لقد كان لهيئته الرائعة تأثير كبير عليّ. لم يكن يحمل ساعة جيب ناهيك عن ساعة اليد. كان، وبشكل غير واع لنفسه الشخص الذيلم يتغير أبدا. لقد أعوزته سمة الغباوة التي تلازم الوجه الأوروبي، ذلك الذي تخبره ساعته أن الوقت يتقدم منذ العصور الوسطى، ولقد زحف الوقت على جسده وأخذ شيئا ما منه، فهو يحاول أن يعوّض عن خسارته للرزانة والوقار ونقص العاطفة لديه بوهم انتصاراته، وذلك باختراعاته للسفن البخارية، والسكك الحديدية والطائرات، والصواريخ. كل هذه الانتصارات ساعدت على سلب وجوده ونقلته إلى واقع آخر يتميز بالسرعة والمتفجرات المتسارعة“. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :