سياسيون وحقوقيون ينتقدون التصريحات الأخيرة الصادرة عن بعض الشخصيات الحكومية والحزبية، التي أبدت تحفظا تجاه موجة تدفق النازحين الأفارقة إلى الجزائر.العرب صابر بليدي [نُشر في 2017/07/14، العدد: 10691، ص(7)]البحث عن موجة بعيدة عن الواقع الجزائر - أبان الجدل الدائر في الجزائر حول قضية النازحين الأفارقة عن اصطفاف غير مسبوق في هرم السلطة بين يسار منفتح عن العمق الأفريقي والإقليمي للبلاد، وبين يمين متشدد لا يختلف كثيرا عن اليمين الغربي المتطرف في موقفه وتعامله مع المهاجرين والنازحين من بؤر الأزمات السياسية والاقتصادية. وبين الهاجس الأمني وذرائع التهديدات الإرهابية، وبين اتهامات بممارسة الشعبوية تحولت القضية إلى كرة ثلج تكبر كلما تدحرجت. انتقد سياسيون وناشطون حقوقيون التصريحات الأخيرة الصادرة عن بعض الشخصيات الحكومية والحزبية، على غرار رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي ومدير ديوان الرئاسة أحمد أويحيى ووزير الخارجية عبدالقادر مساهل، التي أبدت تحفظا تجاه موجة تدفق النازحين الأفارقة إلى الجزائر وتذرعت بهاجس الإرهاب والإجرام. واعتبر الناشط السياسي والإعلامي العربي زوايمية أن التصريحات الصادرة عن مسؤولين تسير نحو طمس الصفحات المشرقة لمواقف السلطات السابقة، فالجزائر كانت تحتضن كل الحركات التحررية الأفريقية والبعثات الطلابية وتفتح ذراعيها لعمقها القاري والإقليمي والآن تتجه إلى الانغلاق على نفسها وتعلق مواقفها بشماعة الإرهاب والأمن بدل البحث والمساهمة في إيجاد حلول جذرية لمعضلات دول الجوار الجنوبي. وقال إن “تصريحات أويحيى ومساهل ستفتح متاعب دبلوماسية واجتماعية على البلاد، فهناك ستة ملايين جزائري مهاجر في الخارج، ولم تصدر في حقهم تصريحات كهذه، وهناك دول أوروبية استقبلت عشرات الآلاف من النازحين العرب في الأشهر الأخيرة، فكيف للجزائر أن تتصرف بهذا الموقف تجاه 40 ألف نازح أفريقي على أقصى تقدير؟”. وكانت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري الحكومي سعيدة بن حبيلس دخلت على خط الأزمة بتصريحات جديدة عبّرت فيها عن تضامنها مع التوجه المعبر عنه من طرف أحمد أويحيى وعبدالقادر مساهل، لتتناقض بذلك مع ما أدلت به قبل ذلك بأيام عن “رفض النداءات العنصرية وعدم تمثيليتها للشعب الجزائري، وجهود هيئتها لإيواء والتكفل بالمهاجرين الافارقة”. يأتي هذا الموقف على النقيض تماما من تصريحات سابقة، لرئيس الوزراء عبدالمجيد تبون، الذي أكد أمام البرلمان نهاية الشهر الماضي، على هامش عرض برنامج حكومته، على “استعداد الجزائر للتكفل بالنازحين الأفارقة، ووجود مشروع قانون في الحكومة، سيضع حدا لاستغلال هؤلاء، بإطلاق حملة لإحصائهم ومنحهم بطاقات إقامة، تكفل لهم حق الشغل والتغطية الصحية والاجتماعية”. وأرجع مراقبون هذا الاصطفاف السياسي حول قضية النازحين الأفارقة والتضارب في المواقف بين أعضاء الحكومة وبين أطراف معسكر الموالاة إلى ما أسموه بـ”شغور مؤسسة الرئاسة”، بسبب غياب الرئيس الفعلي عن الساحة، نظرا لحالته الصحية المتدهورة منذ العام 2013. وحاول الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس مسك العصا من الوسط في القضية، حيث دعا في لقاء له مع أعضاء المكتب السياسي للحزب، إلى “التكفل بالنازحين المتواجدين على التراب الوطني، مع أخذ الحيطة والحذر، مما قد يتغلغل داخل هؤلاء من عناصر إجرامية أو إرهابية”، وهو الموقف الذي جاء من أجل التأكيد على تغريد الحزب داخل سرب السلطة، ودعم موقف السلطات الرسمية، ومحاولة الاستثمار فما سمي بـ”انحراف غريمه في معسكر الموالاة أحمد أويحيى، والاستفادة من موجة الانتقادات الشعبية والحقوقية، بسبب تصريحاته المتعلقة بالنازحين الأفارقة”. وكان وزير الخارجية عبدالقادر مساهل صرح لوسائل الإعلام، على هامش ندوة دولية حول المصالحة الوطنية، بأن الحكومة “ستتخذ تدابير قريبا وإجراءات عاجلة”، وهو ما أعطى الانطباع بأن الحكومة ستتعامل مع الملف بمقاربة أمنية، وستعمل على ترحيل النازحين وفرض إجراءات أكثر صرامة تجاه حركة الهجرة. وقال إن “الظاهرة باتت تشكل تهديدا للأمن الوطني، بسبب نشاط مافيا منظمة تضم جزائريين، تعمل على تأطير عمليات الهجرة غير الشرعية إلى الجزائر، بعد أن أغلق المعبر الليبي”، وهو التصريح الذي دعم ما جاء على لسان أحمد أويحيى، لما ذكر بأن “الرعايا الأفارقة المتواجدين بالجزائر بطريقة غير شرعية هم مصدر للكثير من الآفات”. ومازالت تصريحات ما سمي بـ”اليمين الجديد” في الجزائر، تثير غضب واستياء الناشطين والمنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية، حيث وصف فرع منظمة العفو الدولية في الجزائر، تصريحات أويحيى بـ”الصادمة والمغذية للسلوكات العنصرية والتمييز ونبذ الأجانب”. وصرح الأمين العام للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان مؤمن خليل “هذه التصريحات تشبه خطاب اليمين المتطرف في أوروبا، وتتناقض مع تصريحات رئيس الوزراء حول الموضوع”. وأمام ما بات يوصف بـ”الخطاب الشعبوي” لرئيس الوزراء، القائل إن “الواجب الأخلاقي والإنساني يفرض على الجزائر مد يد العون للأشقاء الذين هجّرتهم ويلات الفقر والحروب، وضرورة عدم نسيان الأيادي التي امتدت إلى الجزائر وساعدتها خلال سنوات المحنة وأثناء حرب التحرير”، وجد الرجل نفسه مسنودا من جهات وشخصيات معارضة، بدل أعضاء الحكومة وأحزاب الموالاة. ويرشح هذا الوضع المشهد السياسي في الجزائر إلى اصطفافات جديدة على أنقاض موجة النزوح الأفريقي وإلى شرخ كبير في الدبلوماسية الجزائرية في التعاطي مع معضلات عمقها القاري رغم خطاب الانفتاح، والتناقض مع ما تبديه تجاه خطاب اليمين في أوروبا، وبين ما تتبناه داخليا، خاصة في ظل وجود جالية جزائرية تقدر بستة ملايين جزائري في الخارج، منهم من هاجر بطريقة غير شرعية.
مشاركة :