أعرق الأحزاب العلمانية في الجزائر يستعد لمراجعة سياسية وفكرية بقلم: صابر بليدي

  • 2/11/2018
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

استقالة رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي تمهد لإطلاق مشروع سياسي جديد ينطلق من منطقة القبائل.العرب صابر بليدي [نُشر في 2018/02/11، العدد: 10897، ص(2)]متمسك بمبادئه الجزائر - عقد التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، أعرق الأحزاب العلمانية في الجزائر، مؤتمره الخامس في محيط سياسي معقد تعيشه البلاد وفي خضم تحولات داخلية عميقة، فبعد تفكك قطب المعارضة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة وانسحاب العضو المؤسس للحزب ورئيسه السابق سعيد سعدي يجري الحديث في كواليس المؤتمر عن تعديل شعار الحزب وبرنامجه. ويؤشر هذا الأمر إلى مراجعة سياسية وفكرية، تعيد ترتيب أوراق التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية مستقبلا. وأعلن سعيد سعدي عن انسحابه النهائي من الحزب، خلال افتتاح المؤتمر الخامس للتجمع نهاية هذا الأسبوع (الجمعة والسبت) بالعاصمة الجزائرية، وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ الطبقة السياسية الجزائرية في ظل هيمنة الانقلابات والمؤامرات الداخلية على الممارسة الحزبية. وحمل الحزب توجها علمانيا منذ تأسيسه في مطلع تسعينات القرن الماضي وظل طيلة مسيرته مناوئا لتيار الإسلام السياسي إلى غاية تأسيس ما عرف بـ”تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي” المعارضة في العام 2013، التي انخرط فيها الحزب وجلس إلى جانب قوى سياسية من مختلف المدارس والتيارات بما فيها الإسلاميون. وبرر سعدي انسحابه النهائي من الحزب بـ”الأمور الشخصية” و”الرغبة في فتح المجال للأجيال الجديدة في الحزب للنضال والممارسة السياسية”. لكن مصدرا مسؤولا من حزب التجمع أكد لـ”العرب “، أن “استقالة سعدي جاءت تتمة لخيار تبلور لديه منذ مدة وأن الرجل استشعر توجهات الحزب نحو الانفتاح والمراجعة التدريجية لبرنامجه وفلسفته بشكل يتنافى مع قناعاته الشخصية ومع الأفكار الأولى التي تأسس عليها”. وكشفت مصادر مطلعة لـ”العرب”، أن “استقالة سعيد سعدي تمهد لإطلاق مشروع سياسي جديد ينطلق من منطقة القبائل وقد بدأت عملية التحضير له منذ عدة أشهر”. وقال المصدر إن سعدي من بين الفاعلين في مبادرة إطلاق كيان سياسي جديد ينطلق من قرية تاريخية ورمزية شهدت أول خلاف حول الهوية الوطنية بين مناضلين تاريخيين من المنطقة وبين قائد الحركة السياسية أثناء حقبة الاستعمار مصالي الحاج، لما بعث برسالة إلى منظمة الأمم المتحدة باسم “الجمهورية الجزائرية العربية الإسلامية” ولم يشر فيها إلى المكون الأمازيغي. وأضافت المصادر أن “الكيان السياسي يحمل طابع التجسيد السياسي والرسمي للمنطقة في إطار خصوصياتها الثقافية واللغوية ويقف على النقيض تماما مع انفصاليي حركة استقلال القبائل، التي يقودها فرحات مهني وأن البعد التاريخي والفكري لا يزال في صلب فلسفة الرجل”. وعرف سعيد سعدي، طبيب الأمراض العصبية، بمعاداته للتيار الإسلامي ولحزب “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” المنحلة في حقبة التسعينات من القرن الماضي. وعرف بمقولته الشهيرة التي وجهها لزعيم الإسلاميين آنذاك “لن نترككم تصلون إلى السلطة” وكان ضمن الحراك السياسي والمدني الذي أطلق مبادرة “إنقاذ الجمهورية” بعد حصد الجبهة الإسلامية للإنقاذ لأغلبية المقاعد في انتخابات 1991. وكان سعدي من بين الداعمين للمؤسسة العسكرية في إلغاء المسار الانتخابي آنذاك.سعيد سعدي طبيب الأمراض العصبية عرف بمعاداته للتيار الإسلامي ولحزب “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” المنحلة في حقبة التسعينات من القرن الماضي وعاد سعيد السعدي في الكلمة، التي قال إنها “الأخيرة”، إلى “نضالات سابقة من أجل الهوية والشخصية المنتهكة من طرف السلطة” وإلى “الإرهاصات السياسية التي سبقت أحداث أكتوبر 1988 التي فتحت البلاد على الديمقراطية والتعددية”. وقال “الآمال التي علقها المناضلون على انتفاضة أكتوبر تبخرت وحلم الديمقراطية أصيب بالانتكاسة، وعليه فإن المسيرة التي بدأها أسلافنا وساهمنا نحن فيها لا بد أن تستمر من طرف الأجيال الشابة في مختلف المجالات السياسية والمدنية وفي الهدوء والطابع السلمي والحضاري”. وأكد مسؤول الاتصال في التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عثمان معزوز لـ”العرب”، أن “التنحي الطوعي للمؤسس والرئيس السابق للحزب تكريس للديمقراطية الداخلية ولمبدأ التداول على مراكز القرار وأن الانتقال السلس للمسؤولية في الحزب ممارسة فعلية وليس مجرد شعارات وخطابات جوفاء”. وشدد معزوز على وفاء الحزب لأفكاره وتصوراته السياسية للنضال وللمقاربة من أجل الديمقراطية ومحاربة الظلامية، وأن مشكلة الجزائر ليست في تباين المشاريع الاجتماعية المطروحة بقدر ما هي في صراع بين شرعية متآكلة للسلطة وبين طموحات الشعب في الرقي والانفتاح. ومثل مؤتمر العام 2012 التحول اللافت في مسار الحزب بعد وصول القيادة الجديدة التي يرأسها محسن بلعباس، حيث بدأ حينها بالانفتاح على مختلف أطياف الطبقة السياسية والخروج التدريجي من الطابع المحلي للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي عرف به منذ تأسيسه وارتباطه لسنوات بمنطقة القبائل وبالقضية الأمازيغية. والتحق الحزب في 2013 بمبادرة تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي المعارضة، والتي ضمت أحزابا وشخصيات مستقلة من مختلف الأطياف السياسية بما فيها الإسلاميون وقياديون من جبهة الإنقاذ الإسلامية المنحلة. وكان التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية من بين الموقعين في 2014 على وثيقة “مازافران”، التي حملت مطالب ورؤى للخروج من الانسداد السياسي في البلاد. وقال محسن بلعباس الأمين العام للحزب الذي تم التجديد له خلال المؤتمر لولاية جديدة بخمس سنوات، في كلمته الافتتاحية، إن “مصير الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 لم يحسم بعد” في إشارة إلى التسليم غير المعلن من طرف الطبقة السياسية والمعارضة بهيمنة السلطة القائمة على الاستحقاق الرئاسي القادم وتوجه قطاع عريض منها إلى مقاطعة محتملة للانتخابات الرئاسية المنتظرة في ربيع العام القادم. وذكر بلعباس “الحرب الجارية بين أركان النظام تؤكد أن اللعبة لم تحسم بعد، وللذين يقولون إن هذه الحرب مجرد مسرحية لإلهاء الرأي العام نقول لهم النتيجة نفسها وهي أن الشعب بعيد عن القرارات التي تعنيه”.

مشاركة :