النتائج الأوّلية للانتخابات المحلية، التي تم إعلانها مساء الجمعة من طرف وزير الداخلية والجماعات المحلية نورالدين بدوي، عن تراجع رهيب لحضور الأحزاب والتحالفات الإسلامية في المجالس البلدية والولائية (مجالس المحافظات) الجديدة لتستمر بذلك نكسة الإسلاميين في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة. ولم تتعد نتائج الإسلاميين حدود 200 عضو في المجالس الولائية، من ضمن نحو 2400 عضو. ولم يحصلوا سوى على حوالي 60 بلدية من بين 1541 بلدية مكونة لتراب الجمهورية. وبهذه النتائج أصبح الإسلاميون أقلية في المؤسسات المنبثقة عن الاستحقاق الانتخابي المحلي. وحلت حركة مجتمع السلم “حمس″ الثالثة في نتائج المجالس الولائية بعد حزبي السلطة (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي)، لكن بفارق كبير. وحصل التجمع الوطني الديمقراطي الذي يرأسه أحمد أويحيى على 451 عضوا في المجالس الولائية، مقابل انخفاض عدد مقاعد حركة “حمس″ في هذه المجالس ليصل إلى 150 عضوا. كما أن الحركة لم تحقق الأغلبية في أي من المحافظات، بما فيها التي كانت محسوبة عليها. وتتجسّد انتكاسة الإسلاميين الجزائريين أكثر في الحصيلة الهزيلة التي سجلها تحالف النهضة والعدالة والبناء، الذي لم يحصل إلا على تسعة مقاعد ولائية. ويترجم هذا الرقم أفول بريق الإخوان في الجزائر، خاصة وأن حضورهم في المؤسسات الجديدة بات محدودا جدا. وستزيد النتائج من حدة العزلة الشعبية لإسلاميي الجزائر، باعتبار أن البلديات والمحافظات توظف من طرف ممثلي الأحزاب في استلطاف وتوسيع الوعاء الانتخابي عبر المهام والخدمات التي تقدمها يوميا للمواطنين. ومن المتوقع أن يقلل الأمر من حظوظ الأحزاب الإسلامية في الاستحقاقات المقبلة، وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية التي تعتمد كثيرا في الجزائر على دعم القواعد والأنصار في البلديات. ولم يستغرب مراقبون أفول نجم الأحزاب الإسلامية في الجزائر بسبب الهزات الداخلية التي عاشتها طيلة السنوات الماضية والصراعات العميقة بين قيادييها. فتحالف النهضة والعدالة والبناء، المعلن قبل الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو الماضي، لم يخف الخلافات بين رموز الأحزاب الثلاثة، وهو ما انعكس على شحوب الحملة الدعائية للتحالف وإحجام عبدالله جاب الله زعيم حزب جبهة العدالة والتنمية عن حضور التجمعات الشعبية الانتخابية.نتائج الانتخابات المحلية تزيد من العزلة الشعبية لإسلاميي الجزائر، باعتبار أن البلديات والولايات توظف من طرف ممثلي الأحزاب في اجتذاب الناخبين عبر الخدمات التي تقدمها يوميا للمواطنين وشمل غياب عبدالله جاب الله أيضا اجتماعات شعبية تم تنظيمها في بلديات ومحافظات كانت إلى غاية السنوات الأخيرة تعتبر قلاعا إخوانية، ومن بينها وادي سوف والمدية والبليدة. ويرى هؤلاء أن ظهور حركة مجتمع السلم بثلاثة رؤوس قيادية (أبوجرة سلطاني وعبدالرزاق مقري وعبدالمجيد مناصرة) يدل على صراعات داخلية لم يتم احتواؤها وساهمت في النتائج الهزيلة المسجّلة في الانتخابات المحلية. ورغم محاولات إبراز وحدة صفوف وقيادة “حمس″، إلا أن سلطاني مازال متمسّكا بخيار مشاركة السلطة وانتقاده المبطّن للقيادة الجديدة. بينما يمثل مقري التيار الراديكالي داخل الحركة، في حين يحاول عبدالمجيد مناصرة أن يكون خيارا ثالثا وبديلا عبر مسك العصا من الوسط. لكن الخلاف صار علنيّا ولم يعد قابلا للإخفاء عن المتابعين السياسيين والقواعد النضالية المتهاوية. ويعرف الإسلام السياسي في الجزائر نكوصا، منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، حيث ساهمت سنوات العشرية السوداء في الانفضاض التدريجي عن الأحزاب الإسلامية. وأثّرت الجرائم المرتكبة آنذاك من طرف الجماعات المتشددة المسلحة، المحسوبة على جبهة الإنقاذ المنحلة، على مفاهيم وقناعات الرأي العام. وزادت التطورات المتراكمة خلال السنوات الماضية في المنطقة، ومن بينها فشل تجربة الإسلام السياسي في الحكم في كل من تونس ومصر بعد موجة الربيع العربي، من متاعب أحزاب الإسلام السياسي في الجزائر. ولم يمكن خطاب المراجعات واحترام الديمقراطية والدولة المدنية والنظام الجمهوري إخوان الجزائر من تجاوز فترة الانهيار غير المسبوق. وعلق القيادي في جبهة العدالة والبناء لخضر بن خلاف فشل التحالف الإسلامي الثلاثي، والأحزاب الإسلامية عموما، على شماعة “التزوير والتلاعب بأصوات الناخبين المنتهج من طرف السلطة والأحزاب الموالية لها” واتهم الإدارة بالانحياز وعدم احترام النصوص التي تنظّم العملية الانتخابية وتكفل الشفافية والنزاهة. وقال بن خلاف “التزوير بدأ قبل أن تبدأ الحملة الدعائية وقبل يوم الاقتراع، من خلال الإقصاء الممنهج من طرف الإدارة لمرشحي وقوائم التحالف من خوض السباق”. وتابع “تم التذرّع بحجج واهية لا تستند إلى مانع قانوني أو دستوري، عكس المفاضلة التي حظيت بها أحزاب السلطة التي تمكنت من تقديم قوائم مرشحيها في بلديات ومحافظات رغم انقضاء الآجال القانونية”. وبرّر بن خلاف النتائج الهزيلة للتحالف الإسلامي بـ”نوايا السلطة في غلق المشهد السياسي وحصره على الأحزاب الموالية لها، من أجل التمهيد للاستحقاق الرئاسي القادم في ظروف مريحة وبعيدا عن إزعاج المعارضة السياسية عبر الاستحواذ على المجالس البلدية والولائية التي تعتبر المنصة القاعدية لأي مرشح لخوض سباق قصر الرئاسة”. وكرّست النتائج المسجلة في الاستحقاق المحلي تمهيدا لغلق اللعبة السياسية بين حزبي السلطة القويين، حيث اقتسم حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي مقاعد المجلس الولائي لمحافظة ميلة بشرق البلاد، فيما غابت تماما باقي القوى السياسية من أحزاب ومستقلين.
مشاركة :