ينتهي القلق عندما يبدأ الأمل

  • 7/16/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أخرِج رأسك قليلاً من محيطك الضيق؛ لتطلُّ على هذا العالم الفسيح المترامي، ماذا سترى؟ التَفِت إلى تلفازك واضغط على زر التشغيل، ماذا ستشاهد؟ جالِس أهلك وأصدقاءك واستمع لكل من حولك، ماذا ستسمع؟ طبعاً، كلها ستحصرك في زاوية الفوضى واليأس؛ هذا العالم يتخبط في فوضى التحضر والتخلف ويتسارع مسابقاً الزمن للخروج منها ليغرق في فوضى أخرى، تلفازك لن يعرضك لك سوى مشاهد التقتيل والتشريد التي تبثها نشرات الأخبار وتجسدها دراما الواقع وأغاني الشجن، وبرامج الدين التي تنهى عن التطرف والفتن أو التي تُؤجج للفتن والثورة، عائلتك تشتكي متاعب الحياة، وتسارعَها، وزحمتَها والضجر منها أحياناً، كل المؤشرات تنذر بفوضى عارمة تهدد كيانك، هكذا نعتقد طبعاً أن الفوضى تبعث على عدم الاستقرار. ترخي رأسك كل ليلة على وسادتك، تتزاحم الذكريات، تسترجع حيثيات يومك التي تضجر منها، فقد كان يوماً شاقاً مليئاً بالصخب، يسرقك النوم فجأة لعلك تحلم بشيء جميل ينسيك همومك، يريحك من الفوضى التي تلازمك دائماً، فلعلنا نكسر كل القيود في أحلامنا، نؤسس قوانين لا تعرف خطوطاً حمراء؛ لا دستور يحكمنا ولا سلطة قهرية تمارس عبثها. تستيقظ من نومك العميق لتستقبل يومك الجديد وأنت ما زلت تحت مخدّر الأمس، مخدر مصدره متاعب يبدو أنها لا تنتهي؛ بل تُفرخ كل يوم مولداً جديداً من جنسها نفسه؛ بل أشد بأساً منها، تغسل وجهك الشاحب فيتوهج بنور الصباح، وأمل يراودك ويداعب قلبك، قائلاً: لا تبالي؛ فهذه الحياة مليئة بالتناقضات، فيوم عليك ويوم لك، فيكمل الأمل قائلاً: اجعلني -سيدي- نبضك الذي لا يتوقف فستجني كل خير ويكون اليوم لك لا عليك، فيتبسم المسكين ويحتسي قهوته بلهفة وتغمره فرحة وهو يدندن: اليوم أحسن، اليوم أفضل.. ينصرف بعدما قبَّل رأس أمه. تنزل لشوارع المدينة فلا ترى أمامك إلا مشاهد مبتذلة، زحمة السَّير التي لا تنتهي وتعاني عذابها دائماً في صمت، فلا سبيل لك سوى أن تتحملها؛ بل يبدو أنها مصيرك المحتوم، فقد أصبحت جزءاً من يومياتك المتراكمة، سيارة الأجرة التي تستقلها تجمعك بأشخاص يتقاطعون معك الهموم نفسها في طريقكم، ربما تناقشون مسألة الثورات العربية واللاجئين فقد تختلفون في تقييم الأحداث ولكن تتفقون جميعاً في أن الوضع مزرٍ ولا يحتمل أكثر من ذلك. بينما أنتم تتحدثون يقاطعكم أحدهم بخبر من إحدى الصحف عن ارتفاع سعر البنزين؛ فيتأفف الجميع، مدركين أثر هذا الارتفاع على باقي المنتجات، بعدما كنتم تتحدثون عن أزمة اللاجئين تدركون الآن أنكم ستصبحون مثلهم، ربما الفرق أنكم لاجئون في أوطانكم، تتوقف السيارة فينزل الجميع، كل متوجه لوجهة هو موليها، وأنت في طريقك تخاطب الأمل: ها قد جعلتك نبضي لنهار اليوم، فما أنت فاعل بهذه الأخبار المستفزة؟! تدخل مكتبك لتبدأ عملك الروتيني كالعادة، فيطرق زميلك الباب مبشراً، قائلاً: لقد سمعت عن زيادة في أجورنا، فأنت لا تعير الخبر اهتماماً وأنت الذي كنت قبل فترة تنتظر هذا الخبر بحرقة، فتقدم له الجريدة وخبر ارتفاع أسعار البنزين يتصدر الأخبار! هكذا هي حياتنا؛ عندما نربطها بالماديات نعيش في قلق دائم، ما إن نفرح حتى يتعكر مزاجنا بخبر سيئ، لقد أفرغناها من القيمة الروحية الإيمانية والقيم الإنسانية التي تجعلها تنضح بالمحبة والسرور. ينصرف صديقك ليتركك في حيرتك ويأسك المعتادين.. بينما أنت جالس تفكر، فتتذكر فجأة قول الله تعالى: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ‏" (سورة الطلاق: 2-3)، إن من يتمعن ويتأمل في هذه الآية يدرك جيداً أن العبد المؤمن بقدرة ربه عز وجل وتصريفه للأمور كلها كفيل بأن يضمن له رزقه ويحفظه، ما عليك أيها العبد إلا أن توحد الله وأن تفوض أمرك كله له جل في علاه، ليس عليك حل مشاكل هذا العالم أو إدارته؛ فأنت أعجز من ذلك بكثير؛ بل يجب عليك فقط أن تدرك حكمة الله في خلقه وأن تتعايش مع واقعك على هذا الأساس، ما يجب علينا هو أن نأخذ بالأسباب ونتوكل على الله سبحانه وتعالى. ينتهي دوامك، حان الوقت لتنصرف للبيت.. وأنت في طريق العودة، تلتقي صديقك بوجه بشوش تعلوه فرحة، فيتساءل في حيرة: ما تركتك هكذا في بداية الدوام؟! هل انخفضت الأسعار وتضاعفت الأجور أكثر؟ فتردّ قائلاً: لا، كل شيء بقي على حاله؛ بل إنه الأمل يا صديقي هو من غيَّرني، فيبتسم صاحبك بسخرية متسائلاً: وماذا صنع لك الأمل؟ هل عوض لك خسارتك أم أنه يقدم لك نفقات خاصة؟ فتردَّ قائلاً: لا، ليس كما تعتقد، إن الأمل مصدر ربانيٌّ يرتكز على تقوى الله عز وجل، وقوة الإيمان بقدرته.. وَحِّد الله يا صديقي، فستفرج بإذن الله تعالى. ما إن ينته يومك وتعود لوسادتك في خاتمة كل يوم لترخي رأسك المثقَل بهمومك حتى يعود الأمل يداعب قلبك: ألم أقل لك، اجعلني نبض حياتك فستنجو وتكسب يومك لك لا عليك وتتخلص من القلق إلى الأبد؟ إنني -يا عزيزي- إلهام رباني، علامة فارقة في تقوى الله عز وجل، صورة من صور الإيمان العديدة؛ بل أعظمها، تمسَّك بحبل الله ولا تبالِ، نَمْ يا صغيري فغداً يحمل معه الجديد والله فوق عباده سميع رقيب. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :