نثرية الشعر وغياب الحدود بين الشعر وأشكال الكتابة الأخرى خلقا حالة كبيرة من فوضى الكتابة الشعرية، أضافت إلى أزمة تلقي الشعر أزمات أخرى نالت من رصيده على مستوى القراءة.العرب مفيد نجم [نُشر في 2017/07/18، العدد: 10695، ص(15)] التحولات التي شهدها تاريخ الشعرية العربية الحديث منذ بدايات الحركة الرومانسية ارتبطت بعلاقة التفاعل بينها وبين الاتجاهات الشعرية الحديثة في الغرب، أكثر مما ارتبطت بالتحولات الاجتماعية في الواقع. وجود هذه العلاقة القوية لا يلغي مشروعية ربط هذه التحولات بالتحولات الاجتماعية، وأثرها في تشكيل الوعي الجمالي عند شعراء تلك التجارب. لقد كانت الكلاسيكية الحديثة في الشعر عتبة أولى لكسر حالة الدوران الطويل في فضاء قصيدة العمود. هذا التداخل داخل السياق الحداثي للشعرية العربية هو الذي أربك النقد العربي في قراءته لسيرورة التجربة وتحولاتها. مشكلة النقد العربي أنه ظل غالبا مرتبطا في قراءته لها بالرؤية الأحادية، أو بالدفاع عن مشروعيتها النابعة من التركيز على العلاقة بالواقع. الخلفية الفكرية والسياسية للناقد والشاعر كانت هي التي تحكم هذه القراءة وتقوم بعملية تأويلها. في المراحل الأولى من هذه التجربة لعب الشعر الإنكليزي دورا حاسما سواء بالنسبة إلى الاتجاه الرومانسي أو بخصوص قصيدة التفعيلة فيما بعد. برز هذا الأثر في تجربة بدر شاكر السياب ومن ثم ظهر أثر صاحب قصيدة “الأرض الخراب” جليا في تجارب شعراء الحداثة في ستينات القرن الماضي. تجليات هذا التأثير برزت على مستوى تمثل الشاعر لخزينه الثقافي الديني والأسطوري والتراثي. على خلاف ذلك كان تأثير الشعر الفرنسي الحديث كبيرا وعميقا في تحولات تجربة قصيدة النثر أولا عند شعراء “مجلة شعر” وفي تنظيراتهم، ومن ثم في تجارب السبعينات. مع هذه التجربة دخلت القصيدة الحديثة مغامرة جديدة مع الرمزية والصوفية، دون أن يغيب عن أفق هذه التجربة التوظيف الشعري للأسطورة والتراث والمعرفة، كتجسيد للبعد الثقافي فيها، باعتباره أهم علامات التحول في القصيدة الحديثة. لقد تطلب التفاعل مع هذه القصيدة قارئا مثقفا، قادرا على التفاعل والتواصل مع هذه الرموز وتقنيات الكتابة الجديدة، التي شكلت أهم ملامح القصيدة الحديثة. اتسعت دائرة التأثير مع اتساع دائرة الترجمة والانفتاح على الثقافات الغربية. تبدى هذا التأثير واضحا في قصيدة التفاصيل واليومي العابر عند الشاعر اليوناني يانس ريتسوس والشاعر الفرنسي جاك بريفير وهو ما بدا واضحا أكثر في استخدام الصورة والكتابة السينمائية والسرد أيضا. نثرية الشعر وغياب الحدود بين الشعر وأشكال الكتابة الأخرى خلقا حالة كبيرة من فوضى الكتابة الشعرية، أضافت إلى أزمة تلقي الشعر أزمات أخرى نالت من رصيده على مستوى القراءة. هذه الأزمة ليست عربية بل هي جزء من أزمة الشعر في العالم. كل هذا جعل التنظير النقدي للشعر يتراجع لا سيما مع صعود الرواية إلى صدارة المشهد الثقافي في العالم. كاتب سوريمفيد نجم
مشاركة :